العظمةُ ميزة لا يمنحها الله لجميعِ الناس، إنها شعلةٌ متوقدة في داخلِ كل عظيم وعظيمة، ويُعتبر الوصول إليها طريقاً طويلاً لا يُعرف له مدة أو زمن، وهو كصعود جبلٍ تواجه فيه صلابة صخورهِ، وصعوبة تسلقه، وتقلب طقسه وشدته، وعليك أن تدركُ جيداً كم سيتحطم جسدك! وكم من عنةٍ ستُخرج من قاع صدرك المليء بالخيبة فيما إذا انزلقت إحدى ساقيك وسقطَت إلى الهاويةِ! وكما قِيل كلما ارتفع الإنسان تكاثفتْ حولهُ الغيوم والمحن.
إذاً لابد من سندٍ تميلُ إليه حينما تميلُ الحياةُ بك وتلقيكَ على الفراش جثة هامدة تنتظرُ موعدَ دفنك.
تعتبر المرأة أكثر مخلوق يُمكن لك الاستناد عليه رغم ضعفها، ورغم عاطفتها التي طالما نعتوها بالضعف لأجلها، فكثير من المواقف التاريخية تشهد على عظمة المرأة ووقوفها إلى جانب الرجل، فهي شريك في الأسرة والمجتمع، ودرب العمر الطويل، وهي أقدر الناس على تفهم الظروف المحيطة، وكل ذلك إذا كانت متسلحة بعقل راجح وأخلاق نبيلة سواء كانت أماً أو أختاً أو ابنة.
عند نزول الوحي على سيدنا محمد صلَ الله عليهِ وسلم جاء الرسول إلى السيدة خديجة رضي الله عنها يترجف فؤاده روعاً قائلاً: زمليني زمليني، فكانت أول من يساندهُ.
يحكى أن شابًّا كان يقضي نصف الليل في حظيرة دواجن خلف كوخ منزله عاكفا على محاولة اختراع شيء جديد، وكان والده الفلاح يعتبر محاولات ابنه فاشلة ويصفعه في كل مرة يجده هناك، إلا أن زوجته هي الوحيدة من بين أهله وجيرانه كانت تشجعه وتقضي معه الليل بسواده تلهب من حماسه، وعندما يحل فصل الشتاء كانت تحمل له في يدها مصباح الغاز لتضيء له بينما أسنانها تصطك من البرد، وكان زوجها يطلق عليها لقب “المؤمنة” واستمرت معه على هذا الحال ثـلاث سنوات، وفي سنة 1893م أشرف العمل على نهايته، وكان الشاب يومئذ قد قارب الثلاثين من عمره، وجاء ذاك اليوم عندما تناهى إلى سمع الجيران صوت غريب لم يألفوه من قبل، فهرعوا على أثره إلى نوافذهم فرأوا عجباً، رأوا الشاب الذي هزأوا منه ومن زوجته يركبان عربة تجري بلا خيل ولا بعير وشاهدوا بعيونهم المحدقة وبفمٍ مفتوح العربة العجيبة تصل إلى نهاية الشارع ثم تعود.
ويومئذ شهد العالم الحديث مولد اختراع جديد وبداية ثورة صناعية عالمية، “هنري فورد” هو أبو هذا الاختراع، فقد استحقت زوجته عن جدارة أن تكون أم هذا الاختراع، وقد سُئـل المخترع هنري فورد بعد أكثر من أربعين عاما على تاريخ اختراعه، ماذا تحب أن يكون لو عِشت على الأرض مرة أخرى؟ أجاب: لا يهمني ماذا أكون بقدر ما يهمني أن تكون امرأتي إلى جانبي في هذه الحياة الثانية، وقال مقولته الشهيرة: “وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم”.
نعم، تلك هي حواء، في طفولتها تفتح لأبيها باباً في الجنة، وفي شبابها تكمل دين زوجها، وفي أمومتها تكون الجنة تحت قدميها، وفي الجنة تكون حوريّة يكافئ الله بها عبادهُ الصالحين.