فرات الشامي |
الخلاص الوحيد من تهمة اﻹرهاب، الفكري والسياسي وكذلك العسكري، ﻻ يحتاج الكثير من العناء للتنصل منه، فقط إنهاء الكلام بالرحمة للشهداء أو القتلى وتذييل الرسالة اﻷهم للجماهير بخطابٍ مدروس فحواه؛ “اﻹرهاب ﻻ دين له”. اﻷمر الذي يجعل من مائدة الضمير اﻹنساني مجرد طاولة اجتماع، تتغذى على التبرير بنسبة التطرف الفكري إلى الحرية الشخصية، والدموي بمسميات العنصرية والطائفية.
بالتالي؛ من المنطقي أن تكون مخرجات نهاية الحفل العشائي مجرد قائمة استنكار، وبيانات تعزية وإدانة وشجب، مع دعواتٍ تنصهر في بوتقة إثارة قضية محاربة التطرف حيثما وجد.
وﻷننا شعوب مقهورة، نؤمن بحسن نوايا المؤتمرين (المتآمرين حقيقة)، نسبق بياناتهم الفارغة التي ﻻ تساوي ثمن الورقة والحبر، وتكلفة الإقامة في فندق… (إلى آخره)؛ نسبقهم بالتهليل لعودتهم الميمونة بخفيّ حُنين كالعادة.
فيما تترسخ قناعة لدى النخبة المثقفة (إن جاز المسمى)، بأنّ المجتمع الدولي يصر على اﻻختباء خلف خنصر اليد، دونما إجابة جوهرية كاشفة عن هوية من أسس قاعدةً للكراهية في الشرق الأوسط.
ولعل مذبحة “نيوزيلندا” خير مثال، فالمهنية اﻹعلامية لدى بعض الصحف العربية جعلت الشهيد قتيلاً، والإرهابي مُسلحاً، ضمن منهجيةٍ ستستمر على اﻷقل في الوقت الراهن، حتى نهاية “أنظمة عدم التطرف اﻹرهابي العربي”، التي تحكمنا “بالورد ﻻ بالسيف”، وبالديمقراطية ﻻ التوريث ﻻ قدر الله، وبرضانا نحن الشعوب.
بالتالي؛ فإن خلاصة ما يُقدم على اﻹعلام براءةُ الشعوب واﻷديان واﻷوطان من الجريمة، وتهمة “اﻹرهاب” التي نسميها في سورية “وثيقة ﻻ حكم عليه”.
قد يكون “اﻹرهاب ﻻ دين له”، لكن من غير المنطقي والمقبول أن تكون وﻻدته من الخاصرة مثلاً، دون أبوين، وبلا وطنٍ يترعرع في أرضه الخصبة.
وإن كان ثمة من ينسب اﻹرهاب للإسلام؛ على مبدأ رمتني بدائها وانسلت، فمن المنطقي أن يوجه المسلمون سؤاﻻً استنكارياً للرد، وكمثال غير بريء، “من قتل اﻹخونجية العملاء في مذبحة حماة؟!”، بالتأكيد ليس التطرف الذي اعتلى قمته حافظ اﻷسد حينها، ونرى وريثه يمارسه مجدداً على السوريين منذ 8 سنوات!
أعتقد جازماً أنّ حافظ الأسد لم يكن إرهابياً، كذاك المتشبع حقداً حين أفرغ رصاصه على المصلين في نيوزيلندا، وعندي من البراهين التي أدفع بها كيد الكائدين عن القائد الخالد، أدعمها بالحجة التالية، وهي مقولة درسناها في المرحلة اﻻبتدائية، “نحن لسنا هواة قتلٍ أو تدمير” كلمة تشي صراحةً أنه لم يكن هاوياً، بل محترفاً، فقد أظهر حرفيته فوق جثث السوريين.
حكومة طهران أيضاً تصلح كمثال للدولة (غير اﻹرهابية)، على المستويين الداخلي والخارجي، بل أزعم أنها وﻻية التطرف، وأمه دون منازع.
فإيران “الناشذة” والخاضعة للعقوبات اﻷمريكية المفروضة عليها؛ تبدو غير مصابة بالقلق من انجراف النظام السياسي السوري أو العراقي بعيداً عنها، بل إنها تؤكد يومياً على طبيعة العلاقة الثنائية المطبقة مع واشنطن. فهما كالزوجين، يترجم البيت اﻷبيض عملياً تجاهها مبدأ “واللاتي تخافون نشوزهن…” كان يمارس معها “الضرب والهجر في المضجع”، إلى آخر اﻵية القرآنية الكريمة، فيما تتجاهل الزوجة تلك “القوامة” عبر العديد من منصات المناورة والمنافذ؛ للوصول إلى ليلةٍ ممتعةٍ ساخنة في النهاية تنال فيها ما تريد.
ومهما قيل عن سياسة التطويق فهي مجرد تكتيك، أو ربما احتضان خشن بالذراعين للتطرف، وعزلٌ للناشذ اﻵبق حتى يرجع إلى سيده، وبمعنىً آخر، اﻹرهاب له وطنٌ ووﻻية يترعرع في جنباتها، له دينٌ وسياسةٌ ارتوى منها وأُشبع فكرياً، وله أبوان أرضعاها، وفي اﻷرجاء من يموّله ويستثمر فيه، وهناك شعوب تحصد المآسي على ضفتيه، واﻷمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، لكنها بالنتيجة؛ تؤدي إلى حقيقة واحدة؛ أنّ ربطة عنق بشار اﻷسد، ﻻ تختلف عن عمامتي الخميني والبغدادي كثيراً.
والمقامرة مستمرة نحو المزيد من التوسع، للأسف.