د. وائل شيخ أمين |
يقول الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله في كتابه (الفطرية):”حصر الله جل جلاله وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوية في ثلاث وظائف، واحدة منها يمكن أن تنقسم إلى اثنتين فيكون الجميع أربعًا، وهي: التلاوة للآيات، والتزكية للقلوب، والتعليم للكتاب والحكمة. وتلك هي دعوة إبراهيم لهذه الأمة المسلمة، ولا يجوز أن يكون تكرار هذه الحقائق بألفاظها عبثاً بل هو تقرير شرعي لمنهج الإسلام الدعوي، الابتدائي والتجديدي معا على سبيل الحصر والثبات والاستقرار.
اقرأ الآيات الأربعة التالية:
الأولى: قوله تعالى في دعوة إبراهيم لهذه الأمة: “ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، إنك أنت العزيز الحكيم” البقرة/ 129
والثانية: قوله تعالى لهذه الأمة: “كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون” البقرة/ 151
والثالثة: قوله تعالى: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” آل عمران/ 164
الرابعة: قوله تعالى: “هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” الجمعة/ 2″
انتهى الاقتباس مع تصرف يسير
أخذت هذه الفكرة بمجامعي عندما قرأتها وأعد التأمل في الآيات الأربعة أعلاه ستجد وظيفة النبي لا تخرج عن هذه الثلاثة (تلاوة وتعليم وتزكية)، فأطلت الوقوف عندها فكان مما خطر لي:
1_منطلق التجديد لهذه الدين هو ذاته منطلق البعثة والبدء، وهو النص القرآني (تلاوة وتزكية وتعليمًا)، فيا ليت المهتمين بنهضة الأمة ينطلقون من القرآن في فكرهم، ولا يكون القرآن مرجعاً يسندون إليه آراءهم.
2_قيمة تلاوة القرآن الكريم قيمة عظيمة شريفة يزهد فيها الكثير من العاملين لدين الله مع أنها أولى وظائف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يريد أن ينهض بالأمة من سباتها.
3_أكثر ما لفت انتباهي بعد التأكيد على الوظائف الثلاثة وتقريرها هو اختلاف ترتيبها في الآيات أعلاه، فالبدء كان دائماً بالتلاوة (يتلو عليهم آياته) ثم صار الخلاف في الترتيب ففي الآية الأولى المذكورة أعلاه كان التعليم قبل التزكية، بينما في الآيات الثلاثة التالية فكانت التزكية قبل التعليم، فلمَ اختلاف الترتيب؟!
بعد التأمل ظهر لي أن من الطبيعي أن تكون تلاوة النص المقدس هي نقطة البدء، أما العلم والفهم فقد يأتي من تدبر النص وقد لا يأتي إلا للنفس الزكية!
وكذلك التزكية قد تأتي بسبب تلاوة القرآن الكريم فقط وبشكل مباشر، وقد تأتي بعد تلاوته والعلم بمعاني آياته وتدبرها، فالعلاقة تكون بذلك بين الوظيفتين جدلية وليست خطية وهذا ما أفاده اختلاف الترتيب، بل كأن الله يقول لنا أن من سنته أن يكون الغالب ألا يرزق العلم الصالح النافع الناهض بهذه الأمة إلا للذين يزكون أنفسهم!
فإبراهيم عليه السلام جعل العلم قبل التزكية في دعائه وهذا ما يخطر للإنسان لأول وهلة (قراءة النص ثم فهمه ثم تطبيقه وأثره)، لكن عندما ذكر الله إجابته لدعاء إبراهيم جعل التزكية قبل العلم وكرر ذلك في ثلاث آيات مقرراً لهذا، والله أعلم.
نهاية ما أريد الوقوف عليه هو أن على العاملين لدين الله أن يهتموا كثيراً بتلاوة كتابه وبتزكية أنفسهم ومجتمعاتهم وأخيراً بتعليم الكتاب والحكمة علما يتأتى بعد ذلك لينهض بالأمة، والله أعلم. يقول تعالى: “واتقوا الله ويعلمكم الله.”