“لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس” هتف بها من هتف ظناً منه بأنها أيام قلائل ويسقط النظام وزبانيته وتنعم البلاد بالعدل، ثم يتابع من توقف خلال هذه الحقبة الزمنية تعليمه ودراسته، وتتابَع مسيرة الاستثمارات الاقتصادية وإعمار البنى التحتية وغيرها..
لم يعلم أصحاب الحناجر المنادي بتلك العبارة أن الحكم الاستبدادي في سورية متشعب لدرجة أنه قد مرَّ حوالي ثمانية أعوام على الثورة ولم يتزحزح النظام من عرش الظلم ولو شبرًا واحدًا. بل تم دعمه عربياً وأجنبياً حتى اشتد ساعده من جديد وازداد ثباتاً وظلماً على ظلمه.
فكم من جيل يُبنى على العلم في هذه المدة الزمنية؟! آهٍ.. لو يعلم قائل هذه المقولة كم من طفل رأيته يتنقل من حاوية إلى أخرى باحثاً عن حاجة له بينما مكانه الحقيقي مقاعد الدراسة وحِلق العلم.
آهٍ لو يعلم قائل هذه المقولة ما دفنته من المعاني العظيمة ومن أشياءٍ تعود على الأمة بالهزيمة التي إن استمرت، وهو يظن أنها نصر أو ستأتي به.
عن أي نصرٍ تتحدث يا أخي؟! عن سُمٍ قاتلٍ ببطء دون أي رحمة أو استنكار؟!
لقد علمتني هذه العبارة القاسية أنها سُمٌ مؤقت يقتلنا وهي عبارة ساذجة، وعلمتني أنها أشبه بسلاحٍ يستخدمه العدو ضدنا لقتلنا دون أي تكلفة ماديةً أو بشرية، وأن عكس معناها هو “استمرار الدراسة والتدريس” وهذا المبدأ العظيم يصنع الحضارات ويعزُّ الأمم.
العلم هو من المأمورات التي أوصانا الله عز وجل بها حيث قال تعالى :”فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك”.
فالعلم يا أخي سلاح كفيل بأن يهزم أكبر جيش عرفه التاريخ، إذ من الصعب جداً هزيمة أصحاب العقول الناضجة المدججة بالعلم الصحيح النافع.
وعلمتني أيضا أنه مهما كانت ظروفك المحيطة بك قاسية فأنت قوي وعزيمتك أقوى وتستطيع أن تنهض وتنهض، لتقوم بأمتك وتصلحها.
وعلمتني أيضاً أن الانتصار الحقيقي يكون باستمرار العلم والتعلم لا بقطعه وقتله وتوقيفه، وأنه يكون في كل الظروف والأحوال حتى لو كانت ضمن ما نعيشه في الحرب والتهجير والتشريد، فالتعلم لا يعرف هذه الأشياء لمن كانت عزيمته صلبة وقوية.
وعلمتني أيضاً أن العلم يقضي على التخلف والرجعية والفقر والجهل والأمية والتعصب وغيرها من الأمور التي تؤخر نهوض هذه الأمة ونصرها، فالعلم من أهم ضروريات الحياة كالمأكل والمشرب وغيرها، وهو من الأسلحة الفتاكة التي عرفتها البشرية..
ونصيحتي لكل إخواني السوريين الذين توقفوا عن العلم: “اعلموا أنكم تقتلون أنفسكم وأمتكم وأنتم لا تشعرون!”
الأمة بحاجة إليكم وإلى قدراتكم التي تناطح عنان السماء، أخرجوا ما بداخلكم من طاقات ووجهوها للأمة ولأبنائها، فهي بحاجة إلى من ينصرها ويرفعها من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
لا تقل فات الأوان أو لا أستطيع، إن الله سبحانه وتعالى ينتظر منك خطوة نحو التقدم والتغيير حتى يغيرك ويغير حالك إلى أحسن الأحوال، قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”
أزيلوا عنكم الطين وأخرجوا الذهب الذي بداخلكم أنتم لم تموتوا بعد، فإن تغلبنا على الجهل بالعلم حُسمت المعركة. أخيرا إنها عبارة لم تكن ثورية بحق.