الدكتورة رغداء زيدان | (عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني)
فتحت اللجنة الدستورية السورية الباب لمشاركة المجتمع المدني في صياغة دستور لسورية بشكل مباشر، في سابقة لم تشهدها البلاد من قبل. وبالنظر إلى ظروف تشكيل اللجنة الدستورية، والدور الأممي المعروف في إيجادها، فإني أود تسجيل النقاط التالية:
1 ـ رغم الطريقة التي تشكلت فيها مجموعة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، وما اعتراها من تجاذبات ومشكلات واعتراضات وتشكيكات؛ فإن مجرد وضع قائمة للمجتمع المدني، تمثَّل ثلث المشاركين نظرياً في العملية الدستورية، هو أمر لافت، خاصة في بلد كسورية غيَّب فيه الاستبداد العمل المدني منذ خمسة عقود، وهذا برأيي سيؤسس لسقف من المشاركة المجتمعية في رسم مستقبل سورية، لن تتمكن القوى السياسية والدولية التراجع عنه بسهولة فيما بعد، وهذا سيسلط الضوء على ضرورة العمل المدني وتأثيره في صناعة القرار، ليس في سورية فقط، بل في كل بلد يشهد ثورة أو احتجاجات أو مطالبات إصلاحية.
2 ـ تُظهر العملية الدستورية ضرورة العمل على تقوية المجتمع المدني السوري ومأسسته، والسعي لالتزام معايير جودة عملية وقانونية وتنظيمية، ستنعكس على فاعلية العمل المجتمعي، وتمكينه من التأثير في صناعة التغيير المطلوب في سورية المستقبل، ومنع تغول السلطة، والتعبير بشكل مباشر وواضح ومنطقي عن تطلعات الشعب السوري.
3 ـ هناك تباين واضح بين أعضاء مجموعة المجتمع المدني من حيث فهم أوليات العمل المدني ومجالاته، وكذلك تأثيره ومدى قدرته على العمل ضمن مجالات متشعبة، تشكل قوى ضغط قادرة على تحقيق مصالح مجتمعية قد لا ترغب القوى السياسية بها أحياناً، أو لا تلتفت لها ولا تدرك أهميتها أحياناً أخرى. هذا التباين له علاقة بالخبرة والممارسة الحقيقة التي أُتيحت للعاملين في منظمات المجتمع المدني في دول اللجوء وفي المناطق التي خرجت عن السيطرة الأمنية لنظام الحكم في سورية، وهو ما جعلهم أكثر وعياً وإدراكاً لإمكانات العمل المجتمع وأهميته، بينما مازال العمل المجتمعي في مناطق سيطرة النظام يخضع للأمن، ويعمل ضمن نطاق ضيق يختزل العمل المدني بالإغاثة ومجالات ضيقة أخرى، ليس لها تأثير حقيقي في صنع القرار.
4 ـ كان من اللافت خلال اجتماعات مجموعة المجتمع المدني ضمن أعمال اللجنة الدستورية الموسعّة، أن المشاركين من دمشق في هذه المجموعة، كانوا يدفعون باتجاه تقزيم عمل هذه المجموعة بحجة عدم وجود مجتمع مدني حقيقي في سورية، وبحجة وجود مرجعية سياسية للمشاركين، وهو أمر له غاياته التي لا تخفى على المتابع للوضع السوري، ما استدعى إصراراً أكبر من الباقين على تثبيت أهمية دور المجموعة، وأهمية وجود تمثيل مجتمعي لا يخضع للاعتبارات السياسية، ويمثل ولو بالحد الأدنى، صوت الشعب المغيَّب ومطالبه، سواء من بقي منه في مناطق سورية المختلفة، أو من اضطر للنزوح واللجوء في بلدان العالم المختلفة.
5 ـ برأيي هناك فرصة أمام المشاركين في مجموعة المجتمع المدني لتثبيت نقاط مفصلية في العملية الدستورية، لكن هذا يستدعي منهم وضع المصلحة المجتمعية فوق أي اعتبار، وجعلها بوصلة توجههم في اختياراتهم ومناقشاتهم ومطالبهم، وهذا يضع عليهم مسؤولية تحتاج منهم تيقظاً ووعياً وفهماً لما يُطرح، وتناغماً في العمل، خاصة وأنهم متنوعو التخصصات والتوجهات.
6 ـ من واجب المشاركين في مجموعة المجتمع المدني التعرف إلى مطالب الشعب السوري، وإشراكه في العملية الدستورية، وذلك عبر عقد اجتماعات وتواصلات مع شرائح مختلفة من الناس، وتقديم شروح حول أهم القضايا التي تحتاج لقرار، والسماع للآراء المختلفة، والإجابة عن الأسئلة المطروحة، والحرص على الشفافية في نقل مجريات العملية الدستورية للناس، فالدستور في النهاية هو ضابط وناظم للمجتمع وللعلاقات بين الناس في كل المجالات، ومن حق الناس المشاركة في العمل وتوجيهه، بما يضمن مصالحهم وحقوقهم، ويحقق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة بحياة حرة كريمة.
قد لا تكون العملية الدستورية بشكلها الحالي مقنعة للكثير من السوريين، لكن برأيي هناك فرصة إن أُحسن استغلالها بشكل صحيح، قد تُؤسس لمستقبل يعطي السوريين بعضاً من حقوقهم التي دفعوا ثمناً غالياً للحصول عليها.