د. وائل شيخ أمين |
لطالما استعملت هذه العبارة القرآنية من قبل المربّين وغيرهم للتدليل على المعنى التالي: “إذا أردت أن يحفظ الله لك أبناءك، فعليك بإصلاح نفسك، فإنك إذا أصلحت نفسك، حفظ الله لك أبناءك وتكفل بهم.”
هذه العبارة القرآنية ذكرت في سياق قصة موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف، حيث أمر الله نبيه الخضر أن يسافر إلى قريةٍ معينة، ليصلح جدارًا فيها يريد أن ينقضّ، وذلك كرمى لعيني أبٍ صالح مات وترك وراءه ابنين يتمين، فكان إصلاح الجدار لحفظ كنزٍ تحته حتى يكبرا فيستفيدا منه.
ولطالما استعملتُ هذا المعنى واقتنعت به، إلا أنني من قريبٍ انتبهت إلى موقفٍ آخر ذكر في السورة نفسها، وهو أن الله قد أمر الخضر أيضًا أن يقتل غلامًا أبواه مؤمنين!
فوجدت أن الأمر يستحق الوقوف عنده والتأمل الطويل، فلدينا موقفان:
ابنان لأبٍ صالح انتفعا منه، وابن لأبوين مؤمنين لم ينتفع منهما!
لماذا لم يهد الله هذا الغلام من طغيانه وكفره؟!
والظاهر أن الابن أولى بالانتفاع، فأبوه مؤمن وكذلك أمه، وهي شهادة من الله لهما، فما التفسير؟ أول ما خطر ببالي لعل الأمر يتعلق بالصلاح والإيمان، فأبو اليتيمين صالح، ووالدا الغلام مؤمنان، لكن هذا لا يحلّ شيئًا من الإشكال، كما أن الشخص المؤمن هو صالح بالضرورة، فصفتا الصلاح والإيمان ليستا متباينتين بل متلازمتان، فيكون الشخص مؤمنًا بقلبه وعقيدته، صالحًا في عمله وسلوكه.
ثم عرفت الجواب وهو “العبرة هي في نوع المنفعة التي ينتفع بها الابن من الأب”
فاليتيمان انتفعا من أبيهما نفعًا ماديًا دنيويًا وهو حفظ الكنز، أما النفع الذي كنا نتساءل عنه للغلام فهو نفع الهداية للكافر الضال، فهذا لا ينفع فيه صلاح وإيمان الأب ولا الأبوين، أي أن صلاح الأب يفيد أبناءه في الأمور المادية الدنيوية فقط، ولا شك أن هذا ليس قليلاً.
فهذا الأب الصالح بعد أن مات خلفه الله في أبنائه بخير، وهنا تذكرت قوله تعالى في آية أخرى يذكر فيها هذا المعنى بوضوح: “وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا”.
إن موضوع الهداية لا ينفع فيه أبٌ ولا غيره، ولو كان صلاح أبٍ نافعًا ابنه في هدايته لما مات ابن نوح عليه السلام على الكفر.
ربما هنا يأتي تساؤل آخر: لماذا لم يمهل الله الغلام كرمى لعيني أبويه المؤمنين فأطال قليلًا في عمره، فلعله يختار طريق الهداية بعد أن سار في طريق الكفر!
يأتيك الجواب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال عن الغلام إنه: طبع يوم طبع كافرًا.
والعجيب أن البعض يفسر ذلك بأن الله كتب عليه الكفر كأنه خلقه للكفر، وهذا غير صحيح أبدًا، بل النبي يقول: طبع وليس فطر أو خلق.
والطبع يكون بسبب الأعمال، يقول تعالى: “بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ.” فالطبع يكون نتيجة للكفر.
والغريب أن هذا الغلام وصل إلى مرحلة الطبع وهو ما زال غلامًا!
وبعد أن حرم من الهداية، أرسل الله له الخضر ليقتله، فلم تعد حياته فيها نفع له أبدًا، كما أن قتله سيكون رحمةً بأبويه اللذين سيرهقهما بطغيانه وكفره.