بقلم : رئيس التحرير أيّها الإخوة القراء ..هل سمعتم كما سمعنا عن حرب الحيوانات التي جرت منذ زمنٍ بعيدٍ في إحدى الغابات ؟ وهل حزنتم كما حزنا عندما عُرضت عليكم الأجنحة المكسّرة والرؤوس المحطّمة والمخالب المهشّمة ؟ وهل تألمتم كما تألمنا على الغابة التي سرقوا منها ثوبها الأخضر وألبسوها رقَعًا حمراءَ من الدّماء ؟كان ذلك عندما اكتشفت طيور الغابة يومًا أنَّ لها جناحين طويلين تستطيع بهما أنْ تسافرَ إلى السماء وتعانقَ لونها الأزرق من دون جواز سفرٍ تأخذه من مبنى جوازات ملك الغابة الأسد ، وعندما فكّرتْ أن تبنيَ أعشاشًا جديدةً ملوّنةً بأحلامها من دون أن تأخذَ رخصةً من قرود بلدية الأسد ، وعندما بدأتْ تغرّد وتعلّم التغريد قبلَ أنْ تقدّمَ طلبَ انتسابٍ إلى نقابة الفنانين التي يديرها سربٌ من الغربان برعاية الأسد ، وعندما سألتْ مفتي الغابة البوم عن شرعية الزعيم فاتهمها بزعزعة استقرار الغابة وشقِّ عصا الطاعة .رفع ( عواينية ) الأسد ومخبروه المزروعون تحت كلِّ شجرة وخلف كلِّ صخرة وفوق كلِّ جبل تقاريرَهم إلى سيّدهم ، وحذّروه من عاصفةٍ تصنعها أجنحةٌ ناعمةٌ تجتاح مملكته وتهدّد عرشه وتقوّض سلطانه ، فأصدر قرارًا بقصِّ الأجنحة ومنع الطيران وتكسير البيوض على مناقير أصحابها .سمع وطواط الغابة القرار ، فأظهر أنَّ الأمرَ لا يعنيه ، فهو من يوم ولدته أمه يطير من شجرةٍ إلى شجرة ويقول يا ربِّ السّترة ، وأقنعَ نفسه أنَّ ما يجري فتنة ، وراح يردّد شعاره ( الله يطفيها بنوره ) في حين أنَّه كان ينتظر ظهور المنتصر ليسجد له ويسبّح باسمه .وبعدَ أنِ امتلأت الكهوفُ بالمعتقلين ، وفرَّ أكثرُ الطّيور إلى الشمال ، تبيّن للوطواط أنّ الأسد هو المنتصر ، ففتح برَّادَ الشِّعر العربيّ وسرق قصيدةً مُعلَّبةً مُنتهيةَ الصلاحيّة ودخل بها على الأسد منشدًا :ما شِئْتَ لا ما شاءَتِ الأقْدَارُ فاحكمْ فأنتَ الواحدُ القَهَّارُ ثم جلس يقدّم للأسد أدلةً مُقنعةً على عدم صلته بالطّيور ، فقَبِلَهُ وعيّنه ضابطًا في جيشِ دفاع الغابة الوطنيّ ، حتى إذا مالتِ الكِفَّة للطيور طار إلى أراضيهم ودخلها بسهولةٍ كما يدخل الماء في قطعة الإسفنج ، ثم وقف خطيبًا يتحدّث عن جرائم الأسد ، ويستعرض بطولاته القديمة وحياته الثورية ، وأفعاله الإنسانية وخدماته العظيمة ، وجهوده المخلصة وأعماله الطيبة وتضحياته من أجل نصرة المظلومين والمقهورين ومنتوفي الريش ، ويجري المقابلات الصحفيّة مع المراكز الإعلاميّة والقنوات التلفزيونيّة ، فتسلَّم بعدها ( لواء الطيور الأحرار ) وبدأ يسرق باليورو والدولار .وسَرعانَ ما انقلبت الكِفَّة ، فدبَّ الرُّعب في قلب الوطواط ، ومرض مرضًا شديدًا سبَّب له الرَّمَد ، وعندما زار النُّقاط الطبّيّة والمشافي الميدانيّة للمعالجة لم يجدْ سوى قصابين حدثاء الأسنان حفظوا أسماء الأدوية المسكّنة فظنّوا أنّهم يردون الأروح إلى الأبدان ، فعلم أنَّهم لا يفرّقون بين الريشة والمنقار أو بين السكّينة والمِسْبَار ، فغضب و طار إلى مناطق الأسد ولجأ إلى تسوية وضعه ليعيش في حضن الغابة وتحت سقفها ، وانسلخ عن طيوريّته ، وتبرّأ منها ، ثم دخل إلى مشفى الأسد بالرمد فخرج منه بالعمى .ومنذ ذلك اليوم والوطواط يطير من مكانٍ إلى آخر ، وعلى جناحه الأيمن قصائد المديح ، وعلى جناحه الأيسر خطب الحماسة وأقنعة الحياء .أيّها القراء ، ارفعوا رؤوسكم وانظروا في السّماء ، كم وطواطًا تجدون في خَطَيِّ الذَّهاب والإياب ؟