دعاء بيطار |
أن تخرج من ضيق نفسك إلى رحابتها وأفقها الأوسع هو النجاح الحقيقي؛ لأننا نحن البشر نعتقد أننا ضعفاء ونتصرف على هذا الأساس، بينما وضع الله فينا قوى خارقة لا نعلمها ولا نسعى إلى معرفتها؛ لأننا رضينا بشعور الشفقة على أنفسنا وبدائرة الراحة التي قد لا يخرج أحدنا منها وحتى نهاية حياته.
في دواخلنا أنظمة معقدة وإمكانيات هائلة لكنها كامنة لا ترى النور إلا في الشدة، فعندما تضيق بأحدنا دنياه تخرج هذه الإمكانات من مكامنها، كأن الإنسان خلق فيها لكنه رضي بما هو دونها عن اكتشافها وتطويرها.
هل علمت كم مرة حاولت أن تُخرِج إمكانياتك ومواهبك ثم أغلقت أمامها الباب وقد كانت على وشك مصافحة النور المحيط بها من كل جانب؟ وهل علمت أن في الشدة يُولَد الإبداع؟ وأن النعم تُعرَف بسلبها ولو لفترة وجيزة؟ وأن اليسر مع العسر وليس خلفه أو من بعده بل هو رديفه وقرينه؟ كم من مرة عثرت قدمك وتعرضت لامتحان صعب ثم وقفت على قدميك من جديد تصارع وتقاوم إحباطاتك وتقلبات مزاجك؟ هل تذكرت يوماً أن أُصبت بفقد عزيز أو مرض أو فشل أو خذلان؟ كيف كانت مشاعرك في توقف مفاجئ بل في خفوت وانكفاء، ثم وبعون الله عادت مصابيحك لتضيء روحك وتصب عليها من وقود ما تعلمته لتنير لك طريقك لأبعد مما تتخيل من آفاق؟ يا لله كم نغفل أننا محاطون بألطافك من كل اتجاه، ونزعم أن بضعفنا المتناهي نمتلك الأخذ بنفوسنا إلى الأفضل أو حتى تطويرها!!
يقول الإمام الشافعي:
جزى الله الأحزان كل خيـر وإن كانت تغصـــــــــــــــصني بريقي
وما شكري لها حمدًا ولكن عرفت بها عدوي من صديقي
ما أسهل القرارات التي تأتي بسرعة! مثلاً قرار أن نتراجع عن هدف نبيل، أو مشروع نافع، أو علم جديد، وما أكثر الأمنيات التي تصول وتجول في النفس صباح مساء وما أقل حظ النفس منها إيمانًا وتطبيقًا! ما أكثر ما يتغذى به شيطان الأماني وطول ضحكته إذا نجح في تخذيل وإفلات همة أحدنا! وما أشد عزيمته لما تبقى من أحلامنا لينقض عليها وينقضها بعدما نجح مرارًا وتكرارًا في تشتيت الهدف وتحويله إلى سراب يحسبه الظمآن ماءً! ما أشد الغفلة عن عدو النفس اللدود هذا وكم هو خفي عن الأعين والعقول، يحول بين المرء وربه بل بينه وبين أقرب حلم أو نجاح قد اقترب إليه!
إن الاستمرار في الإنجاز للوصول إلى الهدف مضنٍ ويحتاج إلى الصبر ثم الصبر ثم التحمل، كالذي يتسلق الجبل فعلاً أتراه إذا أفلت يده وتعب سيبقى مكانه؟ وكذلك تمامًا إذا تراجعت الإرادة وضعفت الهمة لا تلبث أن تنزلق الأقدام وتصبح في مهب الشهوات وهوة التفاهات..
قد لا تدرك أن المصائب والابتلاءات عطايا من الرحمن إلا بعد أن تتخطاها أو تستفيق منها، لكن أعظم ما يمكن أن تشعر به تجاهها هو الاطمئنان والاستسلام فقط؛ لأنها من الله، كما أن الثقة بأفعال الله تمد بينك وبينه تعالى حبال الرحمة والتثبيت في أصعب الأوقات.
تأكد أن واقعك الحالي هو الخير كل الخير لك، وكن على يقين أن أعظم ابتلاء في هذه الدنيا هو أن يكون في دينك وكل ما دونه يسير، فخفف من أثقالك برميها على من يدبر الأمر وتفويضه بكل شيء، وحاشا له تعالى أن يترك من أسند ظهره إليه دون أن يكون له العون والركن الشديد، فالله تعالى رحيم ولا يرضى لك الحزن إنما هي اختبارات ليخلق لك فرصة العودة إليه ولتكون شاهدًا على نفسك بنفسك إن اجتزت الامتحانات وتعلمت الدروس.