لم أعد أؤمن بالحرب عموماً، واهمون أولئك الذين يعتقدون أنَّ الحرب بمعناها الكلاسيكي قادرة على التغيير، ومساكين وسذَّج بشكل أكبر أولئك الذين يساقون بمقولات دينية تجاه الحرب والموت بمعناهما الكلاسيكي مرة أخرى.
لقد تطورت الحرب بما فيه الكفاية لتجعل البندقية أداة للحمقى ومحبي فنون الانتحار الجماعي، فلم تعد سوى وسيلة لحشد طاقات “الجهاد” في جانب و”محاربة الإرهاب” في جانب آخر كما يحلو لكلِّ طرفٍ تسمية القتال الذي يقوم به ببلاهة.
نعم، ببلاهة جداً، فبينما يموت المتحاربون على الأرض، يدير السياسيون والاقتصاديون الحرب الحقيقية فيما بينهم وفق مصالحهم الخاصة باستراتيجيات الربح والخسارة البعيدة المدى، ليبقى المتحاربون مجرد بيادق تُظهر مناطق نفوذ محتملة لكلِّ طرف، حتى تُحسم المعركة نهائياً وتُقسم المناطق على أساس المصالح الدولية.
لا ألغي فيما سبق دور القتال كلياً، لكن أحاول في هذه المقاربة “الجائرة ربَّما قليلاً” أن أضعه في مكانه الصحيح من معادلة الحرب، فهو لا يعدو كونه جزءا صغيراً من هذه المعادلة، ولا يشكل نقطة ثقل كبيرة، والأحداث الأخيرة في الخمسين سنة الماضية على الأقل بما فيها حربنا السورية تثبت ذلك بوضوح لمن أراد أن ينظر بعين الإنصاف والحقيقة.
أحاولُ أيضاً بكلِّ وضوح أن أشيرَ إلى حماقة أولئك الذين يجعلون جميع الحلول محصورة في القتال، ويهملون الجوانب السياسية والاقتصادية ذات الثقل الحقيقي في معادلة الحرب، ظناً منهم أنَّهم سينتصرون بذلك، وقد جربوا مراراً ولم يحصدوا إلا الدَّمار في كلِّ تجاربهم السابقة، مع علمهم أنَّ التوازنات الدولية هي من يحفظ وجودهم حقيقةً، فبحسابات القوة والضعف ربَّما هيروشيما جديدة قادرة على إفنائهم عن بكرة أبيهم في التجمعات التي يوجدون فيها، لتتأدَّب أجيال كاملة بعدهم.
لكلِّ الذين يؤمنون ببلاهة أنَّ القتال فقط هو الحل، ويدفعون بشبابنا إلى الموت دون أن يخوضوا الحرب كاملةً ببعديها السياسي والاقتصادي، الجحيمُ يليق بكم، ارحلوا عن بلادنا ولا تحولوها إلى دمارٍ جديدٍ كما في تجاربكم السابقة التي انتهت جميعها باحتلال كاملٍ للأرض والثقافة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي