علي سندة |
في هذا المقال سأسرد قصة ليست من نسج الخيال للتدليل من خلالها على ظاهرة مجتمعية والتوعية فيها، إنما جرت معي شخصيًا وما أزال مستغربًا منها لتعارضها مع الأخلاق والدين وتجاوز بطلها ذلك التعارض باطمئنان!
التقيته عرضًا أثناء بحثي عن بيت للإيجار في تركيا ضمن منطقة شعبية، وسرعان ما سرى الاطمئنان إلى نفسي للقائي بابن بلدي في الغُربة التي مافتئ لسان ذلك الشاب يلهج بالدعاء للتخلص منها طيلة وقوفي معه، والتضرع إلى الله للعون على الحياة ومشقتها وطلب الرزق الحلال، وكذلك العودة إلى الديار ومسح آلام السنين الماضية، فأمَّنت على دعائه الذي يتمناه كل مهجَّر عن بيته ووطنه، وفي الوقت نفسه التمستُ الخير للمساعدة بتأمين بيت مناسب أُنهي به عناء البحث عن طريق ذلك الشاب الذي عرض المساعدة عليَّ لوجوده في تلك الولاية التركية منذ بضع سنوات، لكن سرعان ما أُصبت بالصدمة!
قال لي عندما ذهبت وإيَّاه لرؤية البيت لاستئجاره: “أبو شريك البيت جيد، خذه نصيحة من أخوك، كل شيء جاهز فيه وبدي تصير جاري لأني حبيتك، والبيت كان أخوي ساكن فيه لمدة سنتين وقبله كانوا بيت أختي، وما في داعي تتعذب بمدِّ شريط كهربا كل شيء جاهز وما في تكاليف.” استغربت منه لمدِّ شريط الكهرباء فسألته: لمَ الشريط؟ فقال لي: “حتى تسحب كهرباء (بلاش)” وهنا سرعان ما تساءلت في نفسي إن كانت الحكومة التركية أيضًا تساعد مواطنيها والسوريين بالكهرباء لأن الحي شعبي، وربما ثمة خطوط مدعومة من قبل الحكومة لأجلهم، فسألته مستوضحًا: “يا أبو النور الحكومة هنا تساعد حتى بالكهرباء؟”
فضحك كثيرًا قائلاً: “يا أبو شريك لا مساعدة ولا شيء، الكهرباء كلها مجانية على حساب الحكومة وأردوغان الله يخليلنا ياه، وكل شيء جاهز بالبيت وما في داعي تتكلف وتجيب كهربجي يشتغلك بمد الشريط لأني ممدود بطريقة ذكية جدًا ومسحوب قَبل الساعة وتم وضعه في قلب الجدار وتم طلاؤه ليصبح من لون بقية جدران البناء كيلا يشك جابي الكهرباء بوجود شيء غريب، وبعدا بتوفر عليك التكلفة كلها لأني بتكلفك حوالي 500 ليرة تركي لكن بتوفرلك كتير بعدا، وأنا بعلمك كيف تتصرف وتسحب كهرباء مثلنا وتمشي وضعك كمان عندك صغار الله يحميلك هنن.”
وجدني صامتًا مستغربًا فأردف: “يا أبو شريك نحن هنا دراويش وعلى باب الله، والحياة صعبة على الجميع، الله يفرج علينا أحسن شيء ويرزقنا، ولا تفكر كتير بالموضوع هنا من لا يسرق الكهرباء يعتبرونه قصير حربة (كناية عن ضعه).” بهكذا تجاوز التعارض أبو النور!
في الحقيقة الإنسان ليس سارقًا بطبعه، إنما السرقة فعل مكتسب متعلقة بظروف عدة منها الفقر وغيره، وما صاحبنا أبو النور إلا مثال على ذلك، فقد التمستُ منه الخير ووجود رادع ديني وأخلاقي، لكن العجب استمراء جرِّ الكهرباء بطريقة غير شرعية دونًا عن غيرها من أنواع السرقة، فالرجل لا يسمها سرقة إنما سحب كهرباء! وفي الوقت نفسه يتحرى في عمله الحلال، لكن أرى أنه كان للبيئة التي من حوله أثر سلبي عليه فعمل كما يفعل الغالب من الناس في تلك المنطقة، وربما عدم وجود ناصح له كونه أُميًا جعله يُقدم على ذلك الفعل لجهله بحرمته.
ذلك الفعل ذكرني ببعض الناس في سورية قبل الثورة، كانوا يفعلون ذلك في المناطق الشعبية خاصة، ويقولون: “كهرباء على حساب بشار والحكومة” فترى نقاط تغذية الكهرباء في تصليح دائم نتيجة السرقات والجر غير المشروع.
المفارقة بالأمر هناك من يجر الكهرباء بطرقة غير مشروعة ولا يفعل محرمات أخرى ظنًا منه أن ذلك من أدنى تحصيل حقوقه المسلوبة من الحكومة وفعله ليس حرامًا، والحقيقة أنه حرام قطعًا لأن الموارد من كهرباء وغيرها ملك لعامة الشعب، فالسرقة منها اعتداء على المال العام، وليس اعتداء على الحكومة أو مسؤوليها فقط، فالغاية لا تبرر الوسيلة، ووجود الأكثرية تسرق بمكان ما لا يعني أن تكون مثلهم. قال أبو النور: أي أش رأيك أبو شريك؟ بل ما رأيكم أنتم؟!