جاد الغيث |
في الفترة الصباحية على إحدى الإذاعات المحلية، جاء خبر مفاده، أنه في دولة خليجية “وبسبب ارتفاع درجات الحرارة صيفًا لدرجة لا يطيقها بشر، قررت الحكومة الرشيدة اتباع خطوة حميدة، فوضعت ماكينات مجانية في الشوارع الرئيسة، تقدم ماءً باردًا وواقيًا شمسيًا، وللحفاظ على بشرتك البهية، تكرمًا يُرجى ضغط الزر بلطف، لتحصل خلال ثوانٍ على (كريم واقي شمسي) تدهن به الأعضاء المكشوفة من جسمك وتتابع طريقك براحة وانسجام وأمان.”
بعد انتهاء الخبر بدأت اتصالات المستمعين وتعليقاتهم التي لا تخلو من سخرية، البعض تمنى لو أن حكومة بلاده تضع المكنات في الشوارع للإسعافات الأولية، لتساعد المصابين بالجروح أو الحروق ريثما يصل فريق الإسعاف المختص.
عشاق القهوة تمنوا لو تمتلئ الشوارع بمكنات مجانية لتقديم القهوة، واقترح أحدهم وجود ثلاجات مجانية تقدم الآيس كريم والماء البارد مع بعض أنواع العصير.
لا تبدو هذه الأفكار خيالية بالنسبة إلى الدول المتقدمة التي تسعى لرفاهية شعوبها،فثمة دول تتنافس الوزارات فيها لتحقيق متطلبات المواطنين، ويتسابق القادة في الحملات الانتخابية على ابتكار أساليب جديدة لخدمة شعوبهم وتحقيق الرفاهية والنهضة لمجتمعاتهم.
أما في بلادنا فيتسابق الوزراء والمديرون والمسؤولون الحكوميون لملء جيوبهم من أموال الشعب، وابتزازهم بشتى الأساليب الممكنة، والتضييق على الخدمات الضرورية لتصبح حلمًا يتمناه المواطن، مع أنه بالأصل من أبسط حقوقه المشروعة.
في الدول المتقدمة لا يلزم الشعب بتمجيد القائد ووضع صوره في كل مكان، وفي بلادنا نهتف للقائد من الصباح حتى المساء، وندعو له بالصحة والسعادة وطول البقاء.
أحد القادة في دولة متقدمة كتب تغريدة على حسابه في تويتر تقول:
“لست إلهًا، ولست أيقونة لتضعوا صوري في مكاتبكم وفوق رؤوسكم، أنا خادم مطيع نشيط يسعى لخدمتكم، إذا أردتم أن تنظروا إلى صور تسعد قلوبكم، فانظروا إلى صور أطفالكم”
كلام عجيب لا يحلم بسماعه مواطن عربي في دول يستبد فيها المسؤول والقائد،
في التغريدة حس حكيم ووعي عظيم، فالمسؤول أو القائد خادم مطيع مخلص ونشيط، وبهذه الصورة الراقية الواقعية في دول تسعد وتتشرف برفاهية شعوبها، يمكن تخيل الكثير من الخدمات التي تؤمنها الحكومات بالمجان، ليس فقط مكنات تقدم العصير والمثلجات وغيرها، مرورًا برشاشات الماء في الحدائق والساحات وخدمات البطاقة الذكية في الحصول على المازوت والغاز ودفع فواتير الماء والكهرباء بلمسة زر دون الحاجة للانتظار يوم أو يومان في طوابير لها أول وليس لها آخر مقابل الحصول على خدمة بسيطة في الدول التعيسة التي يموت مواطنوها ذلاً وقهرًا.
اختم بآخر تعليق ساخر، سمعته كان ملفتًا للنظر رغم أنه لا يمكن إنتاجه آليًا، لقد تمنى أحدهم متخيلاً أنه في عالم اليوتوبيا، لو تحوي شوارعنا مكنات (حرية وكرامة) مجانية طبعًا للحفاظ على الجودة وعدم التلاعب، وذلك لتُعيد للإنسان المهدور المقهور طعم الحرية والكرامة الإنسانية، ولكن ماهي المادة التي سنحصل عليها بالضغط على زر (الكرامة) في الآلة الخيالية، هل يمكن أن تكون الكرامة مرهمًا؟! أم سائلاً شفافًا يشبه مادة (الجل)! وأي جزء من أجسامنا سيدهن بمرهم الكرامة السحري؟ ترى هل له تأثيرات جانبية؟ كارتفاع ضغط الحرية، أو صداع نصفي يصيب أحلامنا المبتورة؟!
إن مكنة الحرية أفعال يُترجمها أبناء الوطن في بنائه، لا تفتر ولا تهدأ مادامت الحياة في تطور، صيانتها بمراجعات صُناعها كلما أحسوا أنهم حادوا عمَّا ينشدونه، وتطورها بالحفاظ على المكتسبات والديمقراطية، وليس كل أمر رفاهي تُقدمه الدولة لأبنائها فيه طعم الحرية، فثمة الكثير ممَّا يقدم على أنه رفاهية لكنه بطعم الذل الذي بات مألوفًا، ونحن في سورية لا رفاهية ولا حرية لذلك قلنا لبيك يا حرية.