ليست سقطة دبلوماسية ما صرَّح به المسؤولون الروس وعلى رأسهم بوتين عندما أعلنوا عن مؤتمر شعوب سورية، هذا المصطلح الذي يظهر اختلاف الرؤية للحل السياسي من قبل الروس وحليفه الأسد على المنظور المتوسط والبعيد؛ لأنَّ روسيا باتت تدرك تماماً انهيار المنظومة الاجتماعية والسياسية للنسيج السوري (مع عدم إغفال دورها الإجرامي ) في ظل قيادة الأسد واستحالة تبلور أي حلٍّ سياسي بوجوده على شكل سورية موحدة، لذلك بدأت اللعب على مصطلحات الحكم الذاتي والفدرالية والطائفية والخشية من التقسيم كما صرح بوتين، وذلك تمهيداً لمثل هذه الحلول بشكل عملي ورسالة غير مباشرة من موسكو للأسد تقرُّ بعجزه واستحالة تنفيذ رغبته باستعادة سورية الأسد على حساب تأخير البدء بقطاف ثمار قتلها وتدميرها.
لكن هذا الإعلان لاقى كثيراً من النقد على وسائل التواصل الاجتماعي (موالاة – معارضة) ووضع نظام الأسد في موقف محرج من تصرف روسيا الأم أمام مؤيديه، كما أنَّ مكان انعقاد المؤتمر الأول (قاعدة حميميم) سيظهر حقيقته الخفية كونه مؤتمر يتفاوض فيه النظام مع نفسه كما صرح كبير المفاوضين عن المعارضة محمد علوش، هذا عدا عن صبغه بصبغة مذله أمام الرأي العام العالمي، فليس من المعقول التفاوض تحت قمرة السيخوي في حميميم لبحث حلٍّ سياسي!!
لذلك كان خيار تسميته بالحوار الوطني، وتغير مكان انعقاده ليصبح منتجع سوتشي، في حين لن يتغير من جوهره شيء، فلا فرق بين حميميم وسوتشي، فالأول مرتع لطائرات بوتين، والثاني منتجع سياسي لسياح الأسد الذين سيحاولون فيه إعادة إنعاش وتنشيط هذا الجسد الذي أرهقته سنوات مذابحه وتدميره بحق الشعب السوري.
الذين سيذهبون إلى سوتشي هم أداة ستستخدمها روسيا كما هي عادتها في صناعة شرعيتها المناسبة لمقاس حلفائها ومصالحها، ولتكون مخرجاته شماعة دبلوماسية وسياسية تقطع الطريق أمام أي تحرك دولي لتطبيق مقررات جنيف نحو تحول سياسي حقيقي.
ويبقى الهدف الأكبر من هذه المؤتمر هو سحب البساط الكردي من تحت أقدام الأمريكيين الذين سيلعبون عليه بعد القضاء على تنظيم داعش، لذلك كانوا على رأس القائمة المدعوة مع تطمينات من مملوك بإمكانية تحقيق مطالبهم.
أمَّا بالنسبة إلى المعارضة السورية الرافضة لفكرة المشاركة في هذا المؤتمر الذي تعتبره موسكو استكمالاً لمسار أستانة وجنيف، فقد تلقت تهديداً واضحاً من مبعوث بوتين لسورية (لافرتييت) بالتهميش والإقصاء من العملية السياسية في حال عدم الإذعان والمشاركة، لكن قرارها هو إسقاط فعلي لمسعى الأسد والروس لخطة الابتزاز السياسي والبدء بدومينو التنازل والمقايضة على الحقوق المشروعة (ملف المعتقلين – جرائم الحرب – الإعمار…) بين مخرجات ومطالب اتفاقيات أستانة ذات الصبغة التفاوضية العسكرية والأمنية و اعتماد مقررات سوتشي الذي يحمل طابعاً سياسياً و تأسيساً لنظام روسيا القيصرية الجديد في سورية.
يبقى السؤال: هل ستطيع المعارضة مواجهة أوراق الضغط الروسية التي ستكتسب الصفة الشرعية حتماً مع غياب واضح للاعبين الدوليين وسطوة روسية على الساحة الإقليمية؟ وماهي ردود الفعل الدولية والأممية على مخرجات سيتوجه بها الجعفري إلى جنيف القادمة؟