يعتقد البعض أنَّ السياسة الخارجية للثورة السورية غير قادرةٍ على مجاراة الحنكة الروسية والأميركية في المحافل الدولية، وهذه وجهة نظر واقعية، خاصة أنَّ السياسة على طول أربعة عقود كانت حكراً على آل الأسد، ويكفي الثورة نجاحاً في مضمار السياسة أنَّها أعادت العمل السياسي الشعبي إلى الواجهة من خلال تشكيل الأحزاب والتنسيقيات التي استطاعت بعملها أن تنتج كيانا تنفيذيا تمثَّل بالحكومة المؤقتة.
لكن هذا لا يبرر بعض الأخطاء السياسية التي يقع فيها بعض رجالات الثورة على الساحة الدولية، فمثلاً لم تستطع تكتلات الثورة، حتى الآن، الاتفاق على قرار واحد موحد بشأن المؤتمرات السياسية التي تديرها الأمم المتحدة أو روسيا التي ما تزال تبحث عن حل سياسي أو كذبة سياسية تنطلي على المعارضين وتساعد في إبقاء الأسد.
وفي كل يوم يزداد الشرخ بين الشق العسكري والسياسي نتيجة ضعف التنسيق بينهما وعدم إيمان أي منهما بدور الآخر، تخوين المتفاوضين، وزلات السياسيين، كلها كانت تؤذن بمشكلة مستقبلية كبيرة، وهذا ما حدث بالفعل، فالصراع بين حكومة الإنقاذ المحدثة التي تسعى لتشكيل كيان سياسي، والمنصات السياسية الخارجية ومؤسساتها الخدمية التي تشرف عليها الحكومة المؤقتة، يهدد المناطق المحررة بشكلٍ مباشر لا سيما في المجال المؤسساتي، فمحاولة حكومة الإنقاذ الاستيلاء على مؤسسات الحكومة بحجة الانبطاح السياسي، سينعكس سلباً على العاملين فيها من الموظفين والمدرسين والطلاب.
لا بدَّ من إيجاد سياسة واضحة تحكم مؤسسات الثورة بعيداً عن نوع الحكومة التي ستقود المرحلة القادمة في المناطق المحررة وفي سورية بشكل عام، وأما عن الأسباب الرئيسة التي أدَّت إلى ضعف الجانب السياسي وفقدان الثقة بتأثيره، هي أولاً: حداثة عهد الثورة في المفاوضات، وثانياً: عدم وضع سياسة واضحة تحكم العلاقات الخارجية بين المعارضة السورية ممثلةً بالائتلاف والدول الكبرى، وثالثاً: غموض سياسة المعارضة السورية مع الدول المجاورة المساندة للثورة السورية، ورابعاً: الانقسامات والاستقالات المتكررة في كيان الثورة السورية، وأخيراً الإخفاق المتكرر في اتخاذ القرارات التي تخدم الثورة السورية مع وجود الفيتو الروسي الذي وقف سداً منيعاً لأكثر من مرة أمام أي قرار دولي يحمي المدنيين في سورية، كلُّ ذلك مهَّد تلقائياً لضعف الجانب السياسي للمعارضة الخارجية.
بالمقابل فإنَّ حكومة الإنقاذ أو أي حكومة أخرى لن تستطيع إغفال دور السياسة، لذلك لا بدَّ من الاهتمام بهذا الجانب واختيار الأشخاص المناسبين لتمثيل المعارضة السورية.
حكومة الإنقاذ رغم سعيها لتشكيل جسم سياسي عليها الإقرار بأهمية العلاقات الخارجية مع دول المنطقة، ومع توجس الدول الخارجية من حكومة الإنقاذ أرى ذلك صعباً أو ربَّما مستحيلاً إلا إذا أعادت حكومة الإنقاذ النظر في بعض الأمور الخدمية والسياسية.
أمَّا مؤسسات الحكومة المؤقتة، فيجب أن تحافظ على كيانها المستقل، فهي مؤسسات الشعب بالدرجة الأولى دون فرض أي تدخلات في شؤونها، وإلا فسيفتح ذلك الباب على مصراعيه أمام انتفاضة جديدة ويمكننا أن نعتبر انتفاضة طلاب جامعة حلب في المناطق المحررة الأخيرة مثالاً مصغراً عنها.
إنَّ مؤتمر سوتشي ومسألة حضوره سلطا الضوء على المشكلات السياسة المستشرية في أجهزة المعارضة التي أثَّرت في المفاوضات، لذلك فإنَّ أي حكومة يجب أن تستمد سياستها من مبادئ الثورة وإرادة الشعب، وبالمقابل فإنَّ أي حكومة تقوم على الأهواء والرغبات دون الاهتمام بآراء الشعب مصيرها الزوال حتماً، فالشعب السوري لا يرحم الخائنين.