الاعتدال جميل في جميع الأشياء، وهو دليل العقل والرزانة، فالإنسان المعتدل العادل هو أبصر الناس في قراءة الوقائع وتشخيص الأحوال، وهذا يرجع إلى ليونةِ تعاطي عقله مع الأفكار المخالفة من جهة وذلك بخلاف المتعصّب، ولحفاظه على مساحة من منطقيَّة الثوابت لا يُتَلاعب فيها من جهة أخرى وذلك بخلاف المميّع.
مفهوم الاعتدال بالتأكيد يشمل جميع نواحي حياتنا ذاتيَّةً كانت أم اجتماعيَّة، ينبثق من قناعاتنا ليؤثّر على معيشتِنا ومنْ حولَنا.
تدور الحياة ويدور الناس فيها، تختلف المسارات ويتعدَّد سالكوها، وتبقى مسالك الفضيلة تجمع سالكيها بصفة فريدة وهي الاعتدال.
الإسلامُ جاء وسطيّاً من السماء، وبتلك الوسطيَّة كان أبناؤُه خيرَ الأمم. ولا يمكن أن تجتمع دعوى العمل للإسلام مع غياب وسطيَّته في حالٍ من الأحوال. وكما رأينا بألم فإنَّ أعمال من أراد أنْ يتعامل مع الإسلام بغير وسطيَّته ستظلُّ لعناتُها تلاحق صاحبَها إلى الأبد.
والاعتدال ليسَ حالة فكريَّة باردة كما يظنُّ بعض المتعالمين، أولئك الذين يعاينون الحوادث بالمظاهر وبمدى جعجعتها. إنَّما حالة متقدّمة جدَّاً من الوعي لا يمكن أن تُكْتسبَ في ليلة وضحاها، وهذا ما ندركه حين نتأمل مقدار الصلة بين الضياع وتغييب الإنسان للاعتدال في حياته.
وأخيراً ينبغي أن ندرك أن المعتدل قد يُظلَم في الظاهر بين الناس ولا يعطى حقه، ذلك لأنَّ ميزان الناس خرِب، لكنَّ ذلك الوزن البخس الذي يُرى به الاعتدال عند العوامّ يزن الكثير والكثير عندما تُنصبُ موازين الآخرة التي لا تظلم بشكل من الأشكال.
من هذا المنطلق يجب أن نفهم أهميَّة الاعتدال كعنصر أساسي من عناصر الحياة الإنسانيَّة، نعمل على زرعه في جيل الطفولة. نأخذ بيد أولئك المفكّرين العقلاء الذين حملوا على عاتقهم مهمَّة نشر الاعتدالِ كما نزلَ من السماء. ففي ذلك وحده تُزهر ورود السلام التي لطالما تلألأ حُلمها في عيوننا أطفالاً وشبَّاناً.