لم يكم إيغور روستوروف البالغ من العمر 45 عاما الذي يعمل بائعا للخضار يخدم كعنصر في الجيش الروسي، لكن أقاربه يعتقدون أنه قتل ضمن أعداد كبيرة من المواطنين الروس الذين قتلوا هذا الشهر بغارة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قرب دير الزور، المنطقة الغنية بالنفط شرقي سورية.
وبعد الإنكار الأولي، اعترف وزير الخارجية الروسي يوم الخميس أن خمسة من المواطنين الروس ربما يكونون قُتِلوا في القصف عندما كانوا يقاتلون إلى جانب القوات الموالية للنظام السوري في السابع من شباط، لكن تقارير تحدثت عن مقتل ما يقارب مئتي مواطن روسي، ما يعني، إن تأكد، أنه أكبر اشتباك دموي بين الولايات المتحدة ومواطنين روس منذ انتهاء الحرب الباردة.
وبينما يبقى العدد غير مؤكد، تظهر صورة لبعض هؤلاء الذين يُعتَقَد أنهم قُتِلوا؛ وبعضهم محاربون قدماء خاضوا معارك شرق أوكرانيا، وممن ألهمتهم الوطنية أو الطفرة في تصاعد القومية الروسية للذهاب إلى سورية، وآخرون يأملون بمردود مالي لا أكثر.
وكلهم، حسب مصادر متعددة، عملوا في ووغنر؛ شركة التعاقد العسكرية الخاصة المرتبطة بالكرملين خفية. المنتقدون يقولون: إن موسكو تستخدم مرتزقة ووغنر كي تُبقي خسائرها العسكرية في سورية منخفضة رسمياً، فحصيلة القتلى الروس الرسمية في سورية السنة الماضية 16 جنديا فقط، رغم أنه يعتقد أن مئات من المرتزقة الروس قد قتلوا.
تحدثت نادزيدة كوسوتروفا في مقابلة هاتفية للغارديان من بيتها في آسبست عن زوجها السابق: “كان إيغور قناصا في الجيش، وذهب إلى سورية لأنه وطني، فقد آمن أنه إن لم نوقف الدولة الإسلامية في سورية فستأتي إلينا إلى روسيا، لقد قال لي: إن لم يذهب هو فسترسل السلطات الشبان الصغار وأغلبهم من عديمي الخبرة”.
وقالت: “إنه بقي على تواصل معها بعد طلاقهما، لكنه لم يخبرها بمن رتّب رحلته إلى سورية، ووصلتها أنباء مقتله من قنوات غير رسمية.”
وأضافت: “أجمع المعلومات رويدا رويدا من مصادر متعددة، وأحاول أن أعرف أين يمكن أن تكون جثث القتلى” وعن سبب عدم اتصال السلطات بها رسميا أجابت: “إنها لعبة سياسية لا أفهمها”.
لقد كانت الغارة الجوية علامة فارقة، فلأول مرة يُقتل الروس بأيدي الأمريكان في سورية منذ دخل الكرملين الصراع إلى جانب بشار الأسد عام 2015، لمساعدة نظامه للبقاء في هذا الصراع المتعدد الأطراف.
وكتب ميشيل بولينوف الكاتب القومي الروسي في منشور له أنه زار أحد الجرحى ممن أصيبوا في الهجوم في مشفى لم يسمه في روسيا: “مصادري أخبرتني أن إحدى الوحدات تكبدت لوحدها 200 قتيل”.
لكن الكرملين لم ينطق ببنت شفة عن هذه التقارير، وبقي على روايته الأولى حول أعداد القتلى.
وصرّح ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين؛ أنه من الممكن أن يوجد بعض المواطنين الروس في سورية، لكن الكرملين لديه معلومات عن الجنود الروس فقط، وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية: إن معلومات أعداد القتلى أنها تتجاور الخمسة قتلى مجرد “تضليل إعلامي اعتيادي”.
وأضافت ماريا زاخاروفا: “في منطقة الصراع يوجد مواطنون من مختلف أنحاء العالم ومنها روسيا… ومن الصعب للغاية مراقبتهم والتحقق مما يفعلون”.
وبغض النظر عن كوستروف يُعتَقَدُ أن تسعة رجال على الأقل سافروا إلى سورية من منطقة آسبست والمناطق المحيطة بها للقتال ضمن ووغنر خلال الشهور الماضية، وفقا لبعض التقارير.
وتقول يلينا ماتفيلينا أرملة المرتزق الروسي ستانيسلاف 38 سنة من منطقة آسبست الذي يعتقد أنه قد قتل هو الآخر: “لقد ألقوهم في المعركة كأنهم خنازير“.
وتضيف يلينا ماتفيلينا في مقابلتها مع قناتي آر إف إي وآر إل: “أيا كان سبب إرسالهم، فلم يكن لديهم حماية”، وقالت: “إن السلطات الروسية يجب أن تعلن أسماء المواطنين الروس القتلى في سورية، وأن تساعد قدر المستطاع لإعادة الجثث، يجب أن يبقى شيء يذكرنا بهم، وبالتالي فلن تخجل الزوجات بأزواجهن، ويمكن للأبناء أن يفتخروا بآبائهم”.
تقع منطقة آسبست على بعد نحو 1100 ميل شرق موسكو، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 70000 نسمة وفيها أكبر منجم للإسبستوس في العالم، ومعدل الرواتب فيها حوالي 25000 روبل أي443 دولارا شهرياً، والأحياء السكنية تعاني من تردي الصحة العامة.
وفي المقابل يتراوح الراتب الشهري لموظفي ووغنر في سورية من 90000 روبل أي نحو (1600دولارا) حسب رتبة المقاتل وخبرته، إلى 250000 روبل أي (4443دولارا) للعسكري المتخصص، وفقًا لروسلان لفيف مؤسس فريق استخبارات الحرب؛ وهي مجموعة متخصصة تتقصى عن الخسائر الروسية في سورية.
ويقول المنتقدون: إن عدم رغبة الكرملين بالاعتراف، ناهيك عن شرف الروس الذين قتلوا في المواجهة مع القوات التي تقودها الولايات المتحدة، يتناقض تناقضا صارخا مع جنازة البطل التي أُقيمت الشهر الماضي لرومان فيليبوف الطيار الذي أسقطت طائرته فوق سورية.
وقالت ناديزدة، وهي امرأة أخرى فقدت زوجها الذي قتل عندما كان يقاتل كمرتزق في سورية خلال شهر تشرين الأول في اتصال مع الغارديان، “واحد ينال الميداليات والتكريم، بينما يُدفن آخرون بصمت ويُنسون”.
كما نقلت تقارير أن مواطنين روس آخرين قتلوا خلال اشتباك شهر شباط ومنهم كيريل أنانيف عضو الحزب اليساري الروسي.
وقال أليكساندر أفرين المتحدث باسم الحزب: “لقد ذهب الى سورية لأنه يحب القتال، والروس قادرون عليه”.
ورغم غضب الأقارب يدافع البعض عن عدم رغبة بوتين بإعلان الخسائر.
فيقول أليكساندر بروخانوف الكاتب القومي المقرب من أعضاء رفيعي المستوى في أجهزة الأمن الروسية: “للسلطات الحق بإخفاء المعلومات لمصلحة البلد، هؤلاء الذين قتلوا تم تحذيرهم قبل الذهاب إلى سورية من أنهم لن ينالوا تكريما عسكريا إن قُتلوا هناك”.
الكاتب: مارك بينتس من موسكو
صحيفة: الغارديان البريطانية
رابط المقال الأصلي:
1 تعليق
Pingback: تقرير الرصد الأسبوعي لأهم ما ورد في الصحافة الغربية | 20 – 2 – 2018 | صحيفة حبر