ترجمة: ضرار الخضر |
فراغ خطير على وشك أن يحدث في سورية، فالرئيس ترمب لم يعد بوسعه إخفاء إرهاقه من الحرب المستمرة منذ سبع سنوات وأعلن قائلا: “أريد الخروج، أريد إعادة القوات إلى الوطن”، وأمر جنرالاته أن يحضَروا لانسحاب سريع، وسط استعداد ثلاث دول للتدخل وإعلان النصر على أمريكا وهي تركيا وإيران وروسيا، فقد اجتمع قادة الدول الثلاث لينسقوا سياساتهم الهادفة لدعم نظام بشار الأسد وإنشاء مناطق آمنة وطرد النفوذ الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط.
رغم المصالح المتباينة وحتى المتضاربة لكل من أنقرة وطهران وموسكو في سورية، فبوسعهم الالتقاء على قاسم مشترك هو إقصاء أمريكا، فلاديمير بوتين الرئيس الروسي يبدو أنه ينوي تسريع بيع وتسليم منظومة إس 400 لتركيا رغم أنها عضو في حلف الناتو، والرئيس التركي أردوغان بحاجة للتعاون مع روسيا إن كانت طائراته ستدخل المجال الجوي السوري لتقصف مواقع الأكراد، وإيران التي مثّلها الرئيس حسن روحاني في قمة أنقرة تريد إقامة ممر يمتد عبر سورية يربطها بأصدقائها بحزب الله الميليشيا التي تمولها في لبنان.
والافتراض السائد في هذا المحور أن بشار الأسد سيفعل ما يملى عليه ويقبل ببعض الانتقاص للسيادة على الأراضي السورية مقابل تلقي الدعم المالي والعسكري، لكن خططهم لم تتكشف بعد، فعلى سبيل المثال قد يصبح من الضروري لهم أن يقبلوا درجة معينة من النفوذ الأمريكي إن أرادوا لجم إسرائيل من القيام بفعل عدائي ضد حزب الله في سورية، وبوتين ربما تساوره مخاوف من أنه قد يتحمل معظم تكاليف إعادة إعمار سورية عند انتهاء الحرب.
الانسحاب من سورية قد يكون خطأ كبيرا، فهو قائم على اقتناع ترمب أن الحرب ضد الدولة الإسلامية انتهت بالنصر، ومع ذلك فغياب الولايات المتحدة سيؤدي إلى انهيار جماعات المعارضة وسيسمح بسحق الأكراد السوريين وسيعمق الأزمة الإنسانية العميقة أصلا، ولن يكون هناك عملية سلام أو آمال بانتقال متدرج نحو الديمقراطية طالما أنه ليس هنالك ضغط على نظام الأسد لفعل أي شيء غير إطاعة أوامر موسكو وطهران. والاستقرار في الأردن الحليف الإستراتيجي المهم للغرب في المنطقة سيصبح محط تساؤل أيضا، والمعارضة للأسد ستصبح الجيل الجديد لداعش أو ستنضم إلى مجموعات إرهابية أخرى.
من الصعب أن نرى كيف يمكن لهذا تحسين موقف الولايات المتحدة في العالم والمنطقة، ربما هذه عواقب أنصاف السياسات في الشرق الأوسط، فبعد خمسة عشر شهرا من رئاسة ترمب كل ما فعلته هذه السياسة هو: قرار إقامة السفارة الأمريكية في القدس ومحاولة نسف الاتفاق النووي مع إيران وتطوير العلاقة مع السلطة الإصلاحية في المملكة العربية السعودية، وهذه مواقف عقلانية ويمكن الدفاع عنها، لكنها لا ترقى إلى إستراتيجية مترابطة ومتشابكة.
ترمب سيواجه معارضة من جنرالاته إن أصر على انسحاب سريع من سورية، لكنه مُصرّ على أنه ينفّذ رغبات جمهوره، فمن الواضح أن الناخبين الأمريكيين تعبوا من الحرب، لكن الرئيس قدّم وعدا آخر بأن يجعل أمريكا عظيمة مرة ثانية، وسيثبت أن هذا الهدف سيصبح صعب المنال إن فشلت أمريكا في السياسية الخارجية، وإن غادرت الميادين الخارجية لأنها معقدة ومكلفة.
يجب على أمريكا أن تكون على الطاولة عندما يتم التفاوض على مستقبل سورية.
صحيفة: التايمز
رابط المقال الأصلي: https://www.thetimes.co.uk/article/missing-in-action-m9gjjmxzk