في ظل غياب أكثر من نصف الشعب السورية عن أملاكهم بسبب الحرب وتشتتهم خارج البلاد في الدول القريبة والبعيدة وفي المناطق المحررة، يصدر رئيس النظام السوري القانون رقم 10 لعام 2018 الذي يقضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وفي الوقت نفسه يفرِّغ النظام المدن والقرى من سكانها الأصليين بقوة الحصار والتجويع والقصف والتدمير.
ما القانون رقم 10 لعام 2018؟ ولماذا يعدل المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012؟ وما تأثير هذا القانون على أملاك المهجرين؟ وهل يستطيع النظام تطبيق هذا القرار بشكل عملي على الأرض؟
“يجيب عن بعض تساؤلاتنا القانونية المتعلقة بهذا القرار المحامي أنور المجني (قاضي سابق في منطقة عفرين): “القرار رقم 10 لعام 2018 عملياً يعطي تعديلات على المرسوم 66 لعام 2012 الذي كان يتكلم عن إنشاء منطقتين تنظيميتين في دمشق، أما القانون رقم 10 فهو يتكلم عن كامل الأرض السورية وإحداث المناطق التنظيمية والوحدات الإدارية المعرفة بالمرسوم التشريعي وفق القانون 107 لعام 2011 ويتكلم عن الوحدة الإدارية وتعريفها (المحافظة والمدينة والبلدية) وإحداث المنطقة التنظيمية التي سوف يخرج فيها المخطط التنظيمي.
ليست المشكلة بالمُهل القصيرة في إثبات الملكية فقط، بل في صدور القرار في هذا التوقيت بالذات، فالبلد في حالة حرب وأكثر من نصف الشعب خارج البلاد، فكيف سيحافظ صاحب العقار على حقه وهو في الخارج، خصوصاً إذا كان صاحب العقار مطلوباً للنظام؟!
يستطيع النظام تنفيذ هذا القانون بشكل عملي على الأرض بعد سيطرته على المناطق المعارضة له وربما فوراً يعلن مناطق تنظيمية جديدة ويتم السيطرة على كل الملكيات ويبدأ الإجراءات وفق أحكام القانون رقم 10.
لكن هذا القانون سوف يأخذ وقتاً طويلاً لكي يطبق؛ لأنه يحتاج إلى عدة مراحل لكي يدخل بالتنفيذ على الأرض وتبدأ من انتهاء تحديد المنطقة التنظيمية وصدور المخططات المنظمة لها ثم عمل الإعلان عن هذه المناطق وجمع البيانات، وتنتهي بالتنفيذ على الواقع.”
هل يستطيع القريب إثبات ملكية الغائب؟
“أعطى هذا القانون حق تثبيت الملكية لأقرباء المالك حتى الدرجة الرابعة أو الوكيل القانوني، لكن هناك إجراءات يقوم بها النظام لحرمان المعارضين من تثبيت أملاكهم من خلال طلب موافقة أمنية عن صاحب العلاقة أولاً.
يتساوى الغائب مع المقيم بحق تثبيت الملكية؛ لأن القانون لم يشترط أن يكون المالك شاغلاً للعقار.”
كيف ستحوَّل الملكية من عقار إلى أسهم؟
“نرى الآن أن الناس عندهم بيوت طابقية، ولهم محلات تجارية تختلف قيمتها بحسب المكان، وهذا ظاهر الأمر، لكن في الواقع عندما نذهب إلى السجلات ونفتح القيد العقاري نرى مكتوبا فيه أرض زراعية فقط، وعملية تنظيم المنطقة سوف تكون عملية رجوع إلى أساس الحالة وفق البيان العقاري (أي أرض زراعية) وسوف تصبح جميع حقوق المالكين عبارة عن حصة سهمية من المقاسم (الأرض المعدة للبناء)، وسوف تقدر الحصة السهمية من خلال لجان لتقدير قيمة كل عقار قبل حدوث المنطقة التنظيمية، والسهم بحسب هذا القانون قيمته ل.س.
وهذا لا يعني أنه عند الانتهاء من هذه الإجراءات سوف يبقى له ملك في المكان نفسه، لأن صاحب الملك سوف يصبح عنده أسهم محدودة لن تمكنه من التخصص بمقسم واحد بعد تنظيم المنطقة، وسوف يبقى عنده ثلاث خيارات فقط بحسب هذا القانون إما أن يبيع أسهمه في المزاد العلني أو (يتخصص بمقسم أو منزل ويدفع الفروق وهذا أفضل خيار)، أو يقوم بعمل شركة لبناء العقارات والاستثمار بحسب قانون الشركات، لكن هذا صعب جداً على الناس العاديين لأنه لا يوجد عندهم قدرة على عمل هذه الشركات، وغالباً سوف تقوم الشركات العقارية الكبيرة بالدخول إلى هذا السوق واستغلال أصحاب الملك الأصليين.”
لماذا لا يستطيع المالك أن يتخصص بمقسم أو بيت واحد على الرغم من حصوله على الأسهم مقابل ملكه؟
“سوف يذهب جزء من حقوق الناس بسبب فساد المسؤولين أولاً، وقد يكون هناك تضخم في المصاريف ثانياً، وسوف تصرف من الوحدة الإدارية (البلدية) على إحداث المنطقة التنظيمية، ثم يتم تغطيتها من خلال قروض، وهذه القروض سوف يتم تسديدها بتمليك هذه الجهات التي سوف تقرض حصصاً في المقاسم التنظيمية (الأرض المعدة للبناء) التي سوف تخرج عن هذا المخطط التنظيمي، ولأن المادة 11 تقول: يقتطع مجاناً وفق المخطط التنظيمي العام والمخطط التفصيلي جميع الأراضي الآزمة للمرافق العامة مثل الطرق والساحات والحدائق وغيرها، وبالقانون نفسه أنه مهما كانت الاقتطاعات بالنسبة إلى المرافق العامة يجب أن يبقى للمالك الذي يملك أرضاً مساحتها ألف متر مربع على سبيل المثال، والتي قد يُبنى عليها عشرة طوابق، يبقى له 80% فقط كملكية طابقية من أساس الأرض.”
ما الشخصية الاعتبارية للمنطقة التنظيمية الجديد؟
“عادةً نعرف أن حقَّ الملكية يعطيك حقوق الانتفاع والاستغلال والتصرف، لكن مجرد البدء بالمنطقة التنظيمية تصبح هي شخصية اعتبارية وتصبح هي المالك محل كل المالكين، وبالتالي كل التصرفات القانونية التي تقوم بها الوحدة الإدارية (البلدية) تسري على جميع المالكين.”
وقد أجاب القاضي (خالد عدوان الحلو) رئيس مجلس الإدارة لمجلس القضاء السوري عن بعض الأسئلة المتعلقة بمواد القانون رقم 10 لعام 2018
هل يختلف التعامل بين صاحب الملك الذي يملك عقاراً بطابو أخضر عن الذي يملك عقاراً بحكم محكمة أو بشكل أسهم على سبيل المثال؟
“نعم هناك اخلاف فيما خلا أصحاب الحقوق العينية العقارية، لا تسجل بقية الحقوق في الصحيفة العقارية، لكن القانون ألزم الجميع بالمراجعة بما فيهم أصحاب الحقوق العينية العقارية المسجلة، وهذا مستغرب إذ يفترض بالنسبة إلى هؤلاء أن تكون حقوقهم محفوظة دون مراجعة.”
في حال كان صاحب العقار مطلوباً إلى الخدمة العسكرية هل يقتطع من قيمة عقاره المخالفة التي فرضها النظام على المتخلفين عن العسكرية والبالغة 8000$؟
“لم يذكر القانون هذه الحالة بالذات وليس محلها هنا، لكن القانون اشترط للاكتتاب على المقسم أو تأسيس شركة عدم وجود إشارات رهن أو حجز أو التزام من أي نوع كان على حصصهم السهمية تمنع من المساهمة بشركة أو الحصول على ترخيص بالبناء.”
إضافة هامة
إن موضوع رد المساكن والأراضي والممتلكات لا يصحُّ أن يتم إلا بعد العملية السياسية ووفق اتفاق يضمن حقوق أصحاب المصلحة، حتى أن ذلك يتعداهم إلى مصلحة الدول المضيفة للاجئين، وقد أشار إلى ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 عندما نصَّ في الفقرة 14 منه على حق اللاجئين والنازحين بالعودة، حيث ربطها بمصالح الدول المضيفة، ولا يخفى دور ألمانيا التي كانت تستضيف 300 ألف بوسني بإضافة الملحق السابع لاتفاق دايتون المتعلق برد المساكن والأراضي والممتلكات للمهجرين، وما نسمعه اليوم من وصف ألمانيا للقانون رقم 10 بقانون الغدر مرده إلى معرفتها بأثره السلبي الكبير على عودة اللاجئين إلى بلادهم”.
ليس غريباً عن النظام أن يأتي بمكتتبين جدد من حاضنته الشعبية لمكافأتهم من خلال سماحه لكل من يرغب بالاكتتاب على العقارات المحدثة وشرائها بشكل قانوني، وقد يقوم بإلغاء قيد المالكين الحقيقين والتصرف به من خلال هذا القانون وإحلال الوحدات الإدارية مكان المالكين الأصليين للعقارات، وهذا مؤكد من خلال القرار نفسه.
لكن لماذا لا تقوم المؤسسات المدنية والمنظمات الإنسانية والائتلاف أيضاً والجهات المسؤولة في المناطق المحررة بالعمل على تقديم شكوى للجمعية العامة للأمم المتحدة لعدم الاعتراف بالقانون رقم 10 لعام 2018 ونزع شرعيته باعتبار سورية في حالة حرب وعدم استقرار وأكثر من نصف الشعب السوري خارج البلاد؟!”.