تتصدر أخبار إدلب ومآلها وباقي المناطق المحررة قائمة الأخبار، فالاحتمالات والتصريحات والتفسيرات حولها باتت كثيرة وصارت حديث الساعة عبر وسائل الإعلام المتنوعة.
فلو بدأنا من تخوف الأمم المتحدة ونظرتها القلقة دائمًا نجد أنها السبب المباشر فيما يحدث الآن، فهي كانت موافقة على تهجير عناصر القاعدة الذين تتحجج بوجودهم إلى إدلب مع المدنيين الذين عددهم حوالي 2،9 مليون، بل إن مبعوثها إلى سورية ديمستورا الذي صرَّح بتمننه على المدنيين وتحمله العواقب بالذهاب إلى إدلب وفتح ممر آمن للمدنيين لهو جريمة حرب مخالفة للقانون الدولي بجعل التهجير نموذجًا متبعًا في التعامل مع القضايا.
وأما الضامنون فهما اثنان فقط تركيا وروسيا، لأن إيران باتت أشبه بضحية لوجود صراع بينها وبين النظام السوري حول بعض المناطق في سورية وصلت إلى اشتباكات عنيفة راح فيها قتلى، ولوجود رغبة أمريكية بإخراجها من سورية، حيث ردَّت روسيا بعدم إمكانية ذلك ووصول الأمر إلى طريق مسدود وبالتالي أصبحت إيران ورقة جاهزة للحرق ولها أدواتها.
وأما روسيا فهي حليف النظام القوي البعيد حدوديًا عن سورية، وبالتالي لا يوجد عليها أي خطر يهددها إقليميًا وهي دولة قوية سبق وتدخلت بمباركة الكنيسة للعميات العسكرية في سورية، تحاول إعادة تهيئة النظام السوري وتقديمه للمجتمع الدولي بهيئة المنتصر، وإن وجود هيئة تحرير الشام التي تعدُّ بالآلاف أمر يحقق للنظام السوري مكسبًا قويًا فيما لو تمكن من القضاء عليها خاصة في ظل وجود تصنيف دولي لهذه الفئة، وبالتالي الشماعة جاهزة، وأيضًا رغبة روسيا بضرب أبناء السنة مع بعضهم، فالأرقام التي وصل إليها الفيلق الخامس لم تعد قليلة وبتنا نرى مقاطع فيديو مصورة أثناء التحشيد والتجميع، وربما سيكون لروسيا دور في تحقيق شيء للحد من الوجود الإيراني الذي يحاول كسب جزء من الكعكة تسد رمقه بعد العقوبات التي عادت إلى الواجهة وتنصل أمريكا من الاتفاق النووي، وكذلك لتنفيذ رغبة أمريكا بإخراجهم، والطريقة ربما تتمثل بتفاهم روسي تركي بإطلاق يد المعارضة لفتح معارك لإيصال رسالة الخروج من كل الأماكن، وربما المنطقة الأقرب حاليا شمال حلب وحصار بلدتي نبل والزهراء وربما الاستيلاء عليهما مقابل استيلاء النظام على ريف اللاذقية الجنوبي وجسر الشغور، وبالتالي وجود معركة رد فعل من قِبل المعارضة عمَّا سيفعله النظام.
وأما الجانب التركي فهمومه تكفيه، فتركيا تعيش أزمة اقتصادية هي الأقوى من نوعها وهي بلد ديمقراطي والأحزاب السياسية في صراع دائم على الحكم على عكس الحكم المستبد في روسيا، والثقل الدولي الذي تمتلكه روسيا ربما لا يقارن سياسيًا مع تركيا المهددة بشكل دائم، وبالتالي تركيا ليست ضامنًا بقوة روسيا، لأنها دولة حدودية مع سورية بلد الصراع، وهي تنظر على أنها هي المستهدفة فيما يجري بالمستنقع السوري، فالتنظيمات الإرهابية زُرعت على حدودها وهي ماتزال تعمل على إزالتها، فهي تمشي سياسيا في سورية كأنها في حقل ألغام، والبارحة مساء صنفت هيئة تحرير الشام على أنها تنظيم إرهابي، وربما سبب عدم تصنيفها سابقًا كما البقية أنها كانت بحاجة للتفاهم معها لدخول المناطق الحرة ونشر القواعد العسكرية وتجنيب الصراع وقتها، وعلى الأغلب أُغلق الحوار بعد عدم التوصل معها إلى اتفاق يقضي بحل نفسها وإنهاء ذريعة التدخل، فسمتحيل أن تستمر تركيا بالحوار مع روسيا وإيجاد الحل السياسي بعيدًا عن الحرب في ظل وجود هيئة تحرير الشام التي باتت مصنفة لدى الجميع، وإلا يُفهم أن تركيا تمثلهم وتمنع تحييد الإرهاب.
إن الأوراق لم تنتهِ بعد، فبتصنيف تركيا لهيئة تحرير الشام يعني أن الأوراق انكشفت والحرب بدأت وتم الانتقال من الجانب السياسي إلى العسكري السياسي، لكن خيارات تركيا ماتزال موجودة، فإطلاقها ليد المعارضة السورية بفتح معارك للجم جماح النظام وشهوته للدماء أمر وارد، وربما ستكون المعارك من جهة ريف حلب الشمالي بالتنسيق مع روسيا لضرب الإيرانيين كما تقدم.
وأما أنتم أبناء سورية المهجرين من كل بقعة فيها المرابطين للدفاع عن أرضكم وعرضكم، فلن تكون همتكم إلا مستمدة من دماء الشهداء وصدق عهودكم لمبادئكم التي خرجتم من أجلها، فالقضية تبقى ما بقي الحق وزهق الباطل.