د. سامي محمود ابراهيم | كلية الآداب جامعة الموصل العراق
تتلاشى أحلامنا الضائعة بين أطياف المكان، إذ إن فجرنا العقيم ما زال يحتضر تحت أعتاب المغيب.
عذرًا أخي الإنسان، فقلمُنا أسود لا يرسم الألوان، وضميرنا ميت لا يسمع آيات الصفح والغفران..
عذرًا أخي الإنسان فأوراق مشاعرنا ممزقة من كثرة النسيان.. عذرًا فلم تعد تحركنا عيون طفل جائع وصيحات أم تشكو قسوة الأزمان، بل وينظُم عقلنا في البكاء قصيدة اشتعال القاهرة وبغداد وسائر البلدان.
هكذا أنا وأنتم كأننا في فترة نقاهة خارج الكون، نتسلى بمطاردة الأحلام، فلا جديد تحت الشمس التي تحترق لأجلنا ونحن نتغزل بالقمر، تقلبنا ذاكرة الأيام حتى لا نصاب بالتعفن.
وبين الهشاشة والصلابة قصة تطرفنا الذي أغرقنا حتى القاع، حتى لا قاع تحتنا.. وشر البلية ما يضحك، شر البلية ما يجعلنا نسخر من أفعال لا يمكن تصديقها ولا تصورها.
أيعقل أن تحصل هذه الأفعال البشعة والعالم صامت متفرج وأحيانا فاعل؟! نحن شعب الدولمة ملفوفون ومفصلون على هوى السياسة الغربية في طبخة فريدة من نوعها بلا ذوق ولا رائحة ولا قيمة، ففي مطبخ الغرب تتحول البامية إلى صواريخ عابرة للقارات ولا تسقط إلا على رؤوسنا، مبرمجة بتقنية عدائية وتكنولوجية مميتة تمسخ الإنسان وتنسخ الإنسان إلى نسخة مشوهة تعاف منها حتى القردة والخنازير.
الحرية، وما أقسى المسافة بين الصمت والكلام، بين الفعل والسكون، نعم لا أتحدث عن جراح ولا عن ألم حزن مذلة هوان لا إنسانية، إنما بنسختها الإسلامية الأصيلة لا الغربية المشوهة، إذا قتلتم فأحسنوا، لمَ هذه البشاعة؟! قلوبنا تتفطر وتكاد تنفجر على عجل يذبح أو كبش يضحى به دون رحمة واعتبار لفطرته وأحاسيسه، نتألم على حشرة تطالها أقدامنا دون قصد، لمَ هذه الوحشية العدوانية العنصرية؟!
أنا معكم بأن بعض المسلمين تحولوا إلى إرهابيين، لكن من الذي آواهم ومدهم وخطط لحروبهم المزعومة؟! أليس هو الغرب الذي أسلم يومًا ما؟! ما هذه العدوانية المتأصلة في نفسية السياسة الغربية؟! ألستم بشرًا؟! نحن معكم لا تؤمنوا ولكن اعقلوا، ألم يرد على ألسنتكم اعقل ثم آمن؟! العالم يحسبكم عقلاء، فأنتم بنيتم حضارة القرون الحديثة والمعاصرة بأبهى صورها المادية إلا أنها من الداخل فارغة بلا قيم بلا ضمير بلا عقلانية، فارغة من النزعة الفطرية السوية.
أنتم كما قال فيكم الشاعر:
شبيه الطبل يدوي من بعيد … وداخله من الخيرات خالي
وإلا فسروا لنا تفشي الفقر والمجاعة والظلم بفظاعة لا يمكن تحملها! بهذا سيتحول الآخر إلى صناعة إرهابية بامتياز، سيتحول إلى ما دون الوحشية أو بعدها.
نسأل الله أن يذيقكم طعم ما كسبتم وطعم ما طبختم، فلم تجلب حضارتكم سوى الحروب والأمراض والفتن والمحن والحزن والدمار والحقد والكراهية وانحطاط الأخلاق والجحود والكفر، كفرتم حتى بآلهتكم. فالطبيعة التي تؤمنوا بها دمرتموها، والعقل جننتموه، والإنسان أوحشتموه، فمن أنتم حتى لا ضمير لكم؟!
كفرتم حتى بالضمير فلم يعد يوجعكم، كفرتم بالذوق والرحمة والعدالة والنزعة الإنسانية، تدعون أن حضارتكم ذوقية فنية جمالية وأنتم تتلذذون بالدماء والخراب والقتل والتهجير لترسموا على تراب الأرض صورة الشيطان الذي يعدكم الفقر ويخوفكم، حتى ضاع علينا، فأنتم أشد شرًا أم الشيطان؟!
قرأنا في لا أدبياتكم أن الحب هو التضحية والرحمة والأنسنة والعولمة والحداثة وما بعدها، قرأناها وأنتم أول من كفر بها كأنها عجل امتطيتموه.
وأخيرًا كنا نتصور أن تاريخ البشرية واحد، إلا أننا اليوم نفرق بين تاريخ شيطاني دنيوي متعصب عنصري أحمق سفيه عنيد، وبين تاريخ رحماني إنساني متسامح.