د. لؤي صافي |
العديد من الناشطين السياسيين خلال ثورات الربيع العربي أُصيبوا بخيبة أمل؛ لأن الثورات لم تثمر نظامًا ديمقراطيًّا، بل يبدو من المشهد السياسي الحالي أن أنظمة الاستبداد استطاعت إعادة قبضتها على الشعوب.
المشهد مخيب لمن كان يعتقد أن الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية سيجري بسهولة وبساطة ودون ردود فعل للنظام الدولي الذي استثمر الكثير في دول ما بعد الاستعمار في المنطقة العربية.
ما نراه هو عودة لنظام الاستبداد بدعم مباشر من قوة دولية تستخدم النظام العربي للحفاظ على مصالحها التي تتعارض مع مصالح شعوب المنطقة. هذه العودة لا يمكن الحفاظ عليها طويلاً بدعم خارجي بعد تعرية دولة ما بعد الاستعمار وظهور سوءاتها، وهي ستستمر حتى تتمكن القيادات الشعبية والوطنية من إعادة ترتيب صفوفها والتعلم من أخطائها وتجاوز سذاجتها في توقع الدعم لعملية تحول ديمقراطي من منظومة دولية تريد الحفاظ قبل كل شيء على الحالة الراهنة.
في لقاء مع الكاتب المغربي (نور الدين علوش) نشر في ديوان العرب في ١٢ تموز ٢٠١٢، سألني السؤال التالي: “بعد نجاح الثورات العربية في إسقاط الأنظمة الاستبدادية، هل نحن قادرون على بناء دول ديمقراطية تعددية؟”
طرح المحاور هذا السؤال بعد هروب بن علي، وتخلي المجلس العسكري عن حسني مبارك، وقبل انقلاب السيسي ودخول روسيا بكامل قوتها العسكرية لدعم نظام الأسد. كانت لحظة توحي في ظاهرها بانتصار الثورات، لكن النظر في آليات حركة المجتمعات، وفي تحدي الثورات المضادة، دعاني إلى لجم مشاعر النصر المبكرة والتذكير بتحدي الانتقال وصعوبته وامتداده.
أود لذلك أن أنقل حرفيًّا ما قلته للأستاذ نور الدين لكل من يدفعه المشهد الحالي إلى مشاعر الخيبة أو اليأس:
“دولة المشاركة السياسية وحماية الحقوق الأساسية للإنسان مشروع أنضجته تجربة سياسية مريرة وحمله الربيع العربي، لكنه لا يزال يحمل صفة “المشروع”. فالحراك الديمقراطي والروح الديمقراطية التي حملها الربيع العربي لا يمكن ترجمتها إلى أشكال وعلاقات ناجزة يمكن تنزيلها على الواقع العربي، بل هي في جوهرها مجموعة من القيم والتوقعات والأحلام ستتطلب زمنًا قبل أن يتم إنضاجها على المستويين الثقافي والمؤسسي.” وأضفت: “أعتقد أن من ينتظر أن يشهد تبدلاً آنيًّا من حال الاستبداد والتخلف في الأداء إلى حالة الفاعلية السياسة والاجتماعية والاقتصادية سيصاب بخيبة في الأمل. إسقاط الأنظمة الاستبدادية هي الخطوة الأولى لا الأخيرة في عملية البناء الحقيقي للمجتمعات العربية، وبالتالي فإن ثمة حاجة إلى كثير من الصبر والعمل الدؤوب للوصول إلى الدولة الديمقراطية التعددية التي تتماهى مع ضمير الإنسان العربي وتتحقق طموحاته.”
إذا آمنا بأن الواقع السياسي والاجتماعي للشعوب يرتكز في وجدانها ويعبر عن قيمها وقناعاتها، فعلينا أن نؤمن كذلك بأن الأنظمة السياسية ستتغير عندما تتغير القناعات والقيم، مهما بلغ الدعم الخارجي لها.