محمد حمروش |
يعاني الكثير من الأهالي في محافظة إدلب إذا ما أرادوا تسيير أوراقٍ رسمية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لاسيما الموظفون لدى دوائر النظام الذين يتوجهون إلى مدينة حماة لأجل قبض رواتبهم التي غالباً ما تكون بين 30 إلى 40 ألف ليرة سورية شهرياً وهو ما يعادل 50 إلى 80 دولار، يقطعون في سبيل ذلك رحلةً شاقة، إذ يضطر المسافرون إلى حماة التوجه شمالاً في البداية باتجاه مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات في مدينة عفرين ثم أعزاز في أقصى شمال حلب ثم إلى مناطق سيطرة قوات سورية الدمقراطية، حيث يقضي المسافرون ساعات عدة، على حاجز “الترفيق” التابع لقوات سورية الدمقراطية، وبعدها يعبرون إلى مناطق سيطرة قوات النظام بالقرب من مدينة السفيرة ومنها إلى مدينة حلب وبعدها إلى حماة، حيث تستغرق الرحلة نحو 30 ساعة في باصات البولمان والسرافيس، وهو أضعاف الوقت المفترض أن تقضيه تلك الرحلة من إدلب إلى حماة بثلاثين مرة، إذ كانت تستغرق نحو ساعة عبر الأوتستراد الدولي حلب دمشق قبل عام 2011 بحسب الآنسة “هدية” وهي مدرسة بإحدى مدارس محافظة إدلب ذهبت لتستلم رواتبها المتراكمة منذ ستة أشهر، وهو آخر موعد يُسمح به للموظف التأخر عن استلام مرتبه إذ يتم تحويله بعدها إلى المالية ولا يستطيع حينها الحصول عليه إلا بعد مراجعة فروع الأمن ليبرر لهم تأخيره.
وأضافت المعلمة بغصة وحرقة كبيرة: “إنني قضيت نصف الطريق أبكي على طفلتي الصغيرة التي اضررت إلى اصطحابها معي رغم مشقة الطريق من أجل الحصول على إجازة الأمومة التي من المفترض أن تكون للتيسير على المعلمات وصغارهم ليس لزيادة معاناتهم في هذه الظروف الصعبة الراهنة التي تعيشها البلاد.”
كل ذلك التعب يتبعه أجرة الطريق الكبيرة التي تبلغ 30 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل راتب الموظف لشهر كامل وربما يزيد خاصةً للموظفين ذوي الرواتب المتدنية.
هذه المبالغ الباهظة لتكاليف الرحلة سببه الإتاوات الكبيرة التي تفرضها الحواجز خاصةً التابعة لقوات النظام على السائقين حتى يسمح لهم بالعبور وتكون على عدد الركاب فيتم احتسابها من ضمن أجرة الطريق بحسب السائق (أبو أحمد) الذي أضاف: “هذا الوضع الصعب مستمر منذ عام 2015 بعد تحرير مدينة إدلب، وتزيد الصعوبة وتنقص بحسب الطرقات التي يسلكها المسافرون ويتم تغييرها كل مرة تبعاً للمتغيرات العسكرية والتفاهمات بين أطراف الصراعات في المناطق، فسابقاً كان الطريق إلى حماة من طريق قلعة المضيق، ومعبر مورك، وقبله كان من خناصر والسعن وكلها طرقات طويلة ومعاناتها كبيرة بسبب الحواجز المتكررة على الطرقات التي تجبر المسافرين على قضاء ساعات من الانتظار للسماح لهم بالعبور، فضلاً عن إجبارهم على النزول للحافلات والوقوف بطوابير للتفتيش طوابير للنساء والرجال، يعامل فيها المواطنون كالأغنام.”
الكثير من الموظفين فضلوا التخلي عن وظائفهم في المؤسسات الحكومية جراء الصعوبة والمشقة والخطورة التي يتعرضون لها كالآنسة (دانيا) التي قررت ترك التدريس في المدارس التابعة للنظام والتوجه إلى التربية الحرة، رغم أن الرواتب غير منتظمة في الأخيرة على حد تعبيرها، والكثير من الشباب أيضاً تخَّلو عن وظائفهم ومرتباتهم خوفاً من السحب للخدمة الاحتياط لمن هم دون سن الأربعين عاماً، كالممرض (أحمد) الذي كان يناوب في المركز الصحي بمدينة معرتمصرين شمالي إدلب، لكنه قرر ترك عمله والالتحاق بالمشافي التابعة لمديرية الصحة في إدلب لتلافي الرحلة إلى مدينة حماة وخوفاً من السوق إلى الخدمة الاحتياط كما قال؛ لأن سنه تحت الأربعين.
بين أمل انفراج الأوضاع في البلاد، وخشية ترك الوظيفة التي لا تغني ولا تسمن من جوع بحسب الموظفين، يقضي هؤلاء الرحلة المليئة بالذل والمعاناة والألم على طرقات محفوفة بالخطورة والمرارة.