أنس إبراهيم
الأطفال هم أمل المستقبل ودعائم الغد، بهم يرتبط تقدم المجتمع ونهضته، لذلك فإنَّ حماية الأطفال من العنف دليل على الوعي الحضاري.
هل العنف غريزة متأصلة في الإنسان تدل على أصوله الحيوانية؟ أم أنَّه سلوك اجتماعي مكتسب من خلال أساليب التنشئة وطرق التربية والتعليم؟
لقد ساد الجدل واحتدَّ الخلاف لفترة طويلة من الزمن بين قائل بغريزية العنف وقائل بأنَّه صفة اجتماعية مكتسبة، ومع بداية القرن العشرين حدثت تطورات علمية عديدة لصالح إنهاء هذا الجدل والنقاش، وكانت الأعمال الرائدة في هذا المجال تنتمي إلى حقلين علميين رئيسيين هما: التحليل وعلم النفس التحليلي التجريبي الذي طوره سيغموند فرويد، وقد أثبتت الدراسات التي أسهم في تطويرها كل من يونغ وإريك فروم والأبحاث المتوالية، منذ ذلك الحين العنف ينقسم إلى قسمين:
الأول: العنف الدفاعي، وهو ذو طبيعة غريزية بالأساس يشترك فيها الإنسان والحيوان، هدفه الدفاع من أجل البقاء، أو الحفاظ على النوع.
والثاني: العنف المدمر أو حبُّ التدمير، وهو نوع يختص به البشر دون سواهم من الكائنات الحية، وفي هذا النوع تندرج السادية وحب الموت والتدمير، وهو سلوك مكتسب لأنَّه قابل للإثارة والضبط من خلال عوامل ثقافية متنوعة ومتعددة.
واليوم ثمَّة ما يشبه الإجماع بين الباحثين على أن مكونات الشخصية هي ذات طبيعة ثقافية بالأساس تتضمن جملة من العوامل مثل الحرية والإبداع وتحقيق الذات، كما دللت دراسات أخرى في حقل علم النفس التجريبي أنَّ ظواهر مثل الإحباط والقهر والقمع واستلاب الحرية هي بالأساس أسباب كافية لظهور وانتشار حالات الاغتراب والسلوك العنيف.
كما بينت التجارب المتعددة والأبحاث المتنوعة أنَّ العنف ليس طبيعة متأصلة أو غريزة ثابتة في الإنسان، بل هو سمة وخاصية ثقافية واجتماعية نمت وتطورت مع نمو الحضارة الإنسانية وتطورها، فالعنف لا يمثل دومًا سلوكا فرديا مرضيا، بل إنَّه غالبا ما يكون فعلا اجتماعيا وثقافيا بامتياز، ويجمع الباحثون المهتمون بظاهرة العنف الاجتماعي أنَّها تأخذ أشكالا متعددة وتجليات عديدة مباشرة وغير مباشرة خفية وعلنية، ولم يعد هناك مجال للشك اليوم في أنَّ ثقافة العنف تقوم على منظومة فكرية مركزية عقائدية وأخلاقية توفر الأسباب والعوامل المؤثرة في ظهور وانتشار هذا السلوك وخاصة في ظلِّ الحروب والنزاعات.
لا تقف معاناة الأطفال من الأذى والإساءة بمختلف أشكالها داخل الأسرة، وهذه بحدِّ ذاتها مفارقة عجيبة، لكن الواقع الأليم ينبئنا عن مفارقة أخرى لا تقل غرابة عن السابقة، فالأطفال يتعرضون لصنوف شتى من العنف ضمن المدرسة وفي محيطها، وهي المؤسسة الثانية المعنية بتنشئة الأطفال ورعايتهم بعد الأسرة، ذلك ما يجعلهم ضحية العنف وسوء المعاملة في أقرب المؤسسات الاجتماعية إليهم، تلك التي يفترض فيها السهر على راحتهم وأمنهم وتعليمهم الحب والتسامح والسلام.
العنف ضد الأطفال ظاهرة مجتمعية عالمية مرهونة بمستوى تغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كل مجتمع، كما أنَّها ظاهرة ترتبط بشدة بطبيعة النظام التربوي ومحتوى المناهج والمقررات التعليمية، وكذلك دور المؤسسات الرسمية المشرفة على التطبيق والوزارات والمؤسسات التعليمية، وأخيرا موقف كل هذه الأطراف من استخدام العنف بكل أشكاله المادية والمعنوية في عمليات التنشئة والتربية على مستوى الأسرة والمدرسة.
واليوم في سوريا ينتشر العنف على نطاق واسع ودون أدنى حدٍّ لمكافحته أو الحديث عنه من قصف ونزوح وتشريد وإهمال وسوء تغذية وإهمال نفسي وعاطفي، وعدم وجود قوانين أو سلطة واحدة ممَّا جعل الأطفال في أسوأ حالاتهم لذلك كان لا بدَّ من محاولة للتخفيف من انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها من خلال حملات التوعية المستمرة للأسر وللأطفال على حدٍّ سواء.
فلنعمل معاً ولنحمل جميعا مسؤولية الحد منه، ولنكن كلنا مسؤولي حماية فهم أطفالنا وواجب علينا تقديم كل ما أمكن لحمايتهم وتربيتهم.