إسلام سليمان
هذه الكلمات من فتاة حرَّة، هُجِّرت من وطنها ثمناً للحرية التي طالبت بها هي والكثير من أبناء شعبها الحر..
كلمات تعبّر فيها عمَّا يختلج بداخلها من مشاعر وخواطر تجاه قضيتها، هذه الكلمات تحكيها على لسان العديد ممَّن هم مثلها، والذين قد أُجبروا على الخروج من وطنهم بحثاً عن مكان آمن يكملون فيه قضيتهم، بقلمهم وصوتهم..
لم يكن يخطر على بالنا بأنَّنا سنُهجَّر من وطننا يوماً ما..
لم يكن يخطر على بال أحد بأنَّ أحلامنا التي بنيناها منذ الصغر ستتحطم يوماً ما..
لا أحد تخطر على باله هذه الأفكار، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن أحياناً، وما كلُّ ما يتمناه الإنسان يملكه.. ربما!
اليوم أتحدث باسم كلِّ سوري حرٍّ أُخرج من وطنه رغماً عنه..
لا أحد يخرج بإرادته، لكن الحياة أحياناً تتطلب هذا الأمر..
قبل هذه الثورة لم نمارس حريتنا، أو بالأصح لم يُسمح لنا بممارستها. آباؤنا صمتوا لأكثر من خمسين سنة، لكن عندما أصبح الدور عندنا، لم نستطع تحمل هذا الظلم.. اندفعنا كالبركان مطالبين بحريتنا.
عن أي حرية أتحدث؟ أتحدث عن حرية العيش كإنسان حقيقي، لأنَّ الحرية تجعل الإنسان إنساناً، وتجعله في مرتبة أعلى من المخلوقات الأخرى، طالبنا بالعيش كالإنسان الحر الذي خلقه الله، وسلاحنا الوحيد كان الصوت والقلم لأنَّهما أقوى من الرصاص..
بعدها بدأت الحرب الحقيقية، هُدِّمت مدننا، الآلاف من الناس استشهدوا، الآلاف من الناس خرجوا مرغمين من وطنهم بحثاً عن مكان آمن يؤويهم.
لكن رغم كلِّ هذا لم ولن نندم على قيامنا بالثورة، فنحن تحررنا من العبودية، قتلنا الخوف الذي كان بداخلنا، كسرنا القيود التي كانت تحبسنا، دافعنا عن الحق، وقلنا الحق، مع العلم أنَّ كلَّ ما فعلناه هو فعلٌ أمرنا الله به في القرآن.. لمَ علينا العيش كالعبيد وقد خلقنا الله أحراراً؟!
الأحداث التي حدثت وما تزال تحدث في سوريا، قد حدثت في أماكن أخرى أيضاً.. نحن دائماً في حالة إعجاب كبير بالحرية التي تتمتع بها الدول الكبرى، لكن إن نظرنا إلى تاريخهم فإنَّهم أيضاً قد عانوا الكثير من الألم، فقدوا الكثير من الناس وهدمت مدنهم أيضاً، كله في سبيل الحرية، لأنَّ ثمن الحرية غالٍ.
نحن بخروجنا من وطننا عانينا الكثير واستصعبنا الأمر، وخاصة من بعض أفعال وأقوال من لجأنا إلى دولهم، لكن مع ذلك هنالك العديد منهم ممَّن وقفوا بجانبنا وساندونا وساعدونا ولم يتركونا وحيدين، وقد تعلمنا الكثير من هذان النوعان من الناس، وكلما حاولنا التأقلم على وضعنا، كنَّا نقع، لكنَّنا ننهض من جديد، نقع وننهض من جديد، لأنَّنا فهمنا أنَّه رغم كل شيء الحياة سوف تدوم، ولذلك أعطينا وعداً على أنفسنا بأنَّنا سوف ندرس ونتعلم ونعمل ونجتهد للوصول إلى هدفنا، أي إلى الحرية وإلى إعمار سورية من جديد..
الكثير من الناس يتساءلون، لمَ لم تبقوا في وطنكم وتدافعوا عنه؟ ونحن بدورنا نجيبهم: ربما لم يكن علينا الخروج منه، لكنَّها ضرورة الحرب، فإن بقي الجميع هناك سيموت الكل ولن يتبقى أي أحد يعيد إعمار سوريا من جديد، نحن اخترنا الحياة على الموت، أي اخترنا النوع الثاني من الجهاد، ربَّما رأينا أنَّ دورنا سيكون أكبر إن خرجنا وواصلنا الجهاد لنيل حريتنا وحرية وطننا سوريا..
خروجنا من سوريا ربما هو بالنسبة إلى البعض بمثابة الهرب من الحرب، لكنَّه بالنسبة إلينا بمثابة هجرة مثل هجرة الرسول، فقد خرج قسراً من وطنه أيضاً، لكنَّه خرج حاملاً معه فكرة وقضية، وهو يخرج من وطنه أراد أن يزرع فينا مفهوماً، ألا وهو أنَّ عملك ليس بالضرورة أن يكون في وطنك، لكن نتائجه وأثره يجب أن تصل إليه، والهجرة بالنسبة إلينا ليست النهاية، بل على العكس إنَّما هي البداية.. ولقد تعلمنا الكثير من هذه الهجرة، لقد تعلمنا أنَّ الحق جهاد، العلم جهاد، العمل جهاد، والعبادة أيضاً جهاد..
تحدثنا الدائم عن سوريا هو بمثابة فرض علينا، لأنَّنا إن لم نفعل هذا لن يفعله أحد غيرنا.. ونحن حتى رمقنا الأخير سنبقى نتحدث عن سوريا بالقلم والصوت..
سوريا دائماً في قلوبنا حتى وإن كنَّا بعيدين عنها، أحياناً نحزن ونبكي ونشتاق، الرسول محمد أيضاً عند خروجه من مكة قال: ((ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أنَّ قومي أخرجوني ما سكنت غيرك))، هذه الكلمات كانت على لساننا أيضاً عند خروجنا من سوريا…
لكن رغم كلِّ هذا نمسح دموعنا وننهض بقلب أقوى، ونؤمن بأنَّنا يوماً ما سنعود إلى سوريا حاملين رايات الحرية، لأنَّه وكما قال الشاعر:
إذا الشعـب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القـدر..
ولا بدَّ لليل أن ينجلي ولابدَّ للقيـد أن ينكســر..