عبد الملك قرة محمد
لا يكون الإعلام حراً في مؤسسة تقدِّس آراء أصحابها، وترفض ما يعارضها ويناقض أفكارها السياسية المحاطة بقيود عديدة تمنعها من بثِّ الحقائق، فتنفيها وتعيد قولبتها لتتناسب مع الواقع الذي يحاول الإعلام المسيّس فرضه على المجتمع.
والمعركة الإعلامية في الحروب لا تقل أهمية عن المعارك الحربية التي تُستخدم فيها شتى أسلحة القتل والدمار الشامل، بل يشكّل الإعلام بارتباطه بالمعارك الحربية قوة تتلخَّص وظيفتها غالباً في القضاء على الخصم، وتجييش المجتمع ضد العدو، فيكون الإعلام وسيلة لإشعال الثورات أو إخمادها، وفي ظلِّ المعارك الإعلامية، ومع تطور الوسائل المستخدمة في المجال الإعلامي، واتساع دائرة التكنولوجيا وتسابق المحطات في ترويج الأخبار يمكننا القول: إنَّ الحقيقة هي الضحية الأولى في المعارك الإعلامية نتيجة تبعية الإعلام لرجال السياسة.
في سنوات الثورة السورية غابت الوظيفة الاجتماعية عن جميع وسائل الإعلام السورية _الثورية منها، والمؤيدة لنظام الأسد_ نتيجة انشغال كلٍّ منها بإثبات رأيه والبحث عن دلائل دامغة لخدمة ذلك.
ورغم تحرر الإعلام الثوري من التبعية السياسية مع ظهور ملحوظ للإعلام السياسي الناقد، لكن لا بدَّ لنا من الاعتراف بسيطرة الفصائل العسكرية على الإعلام الثوري وتقييدها للفكر الإعلامي حتى وإن لم تكن تقمع الجهات الإعلامية، فبامتلاك معظم الفصائل لوسائل إعلامية قوية لاقت رواجاً بين الناس، فهذا سيؤدي بالتالي إلى ترويج الآراء التي تؤيد أفكار الفصيل العسكرية وتوجهاته.
ويمكننا اعتبار أنَّ الإعلام الثوري تابع عسكرياً لسياسة الفصيل دون إنكار وجود محاولات مستقلة ملتزمة بدورها الإعلامي الحر الذي يركز على المجتمع في الدرجة الأولى، لذلك فإنَّ انحسار الوظيفة الاجتماعية للجهات الإعلامية يرجع لعدة أسباب لعلَّ أهمها انشغال الإعلام بتداول الأخبار واقتصار أفضله على الإعلام الإلكتروني، إضافة إلى مّيل المحطات والصحف إلى تناول الإعلام الحربي العسكري ثمَّ السياسي ثمَّ الإخباري دون الاهتمام بتسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية التي تغزو المجتمع السوري المترهل.
لذلك لا بدَّ من تناول المشكلات الاجتماعية ووضعها تحت مجهر الإعلام الذي يعدُّ التوعية أولى وأسمى وظائفه، فلا ينفصل عن الشعوب وينغرس في المجتمع، فتنمو جميع طبقاته وتعي كلٌّ منها مكانتها ودورها بعد تناول قضاياها ومشاكلها وتسليط الضوء على طرق الحلِّ الذي يساعد الأفراد على الخروج من الأزمات وتجاوز العثرات التي تعيق مسيرة المجتمع.
أعود لأذكر أنَّ التوعية هي الوظيفة الأولى للإعلام، فهو السلطة التي تهدف إلى كشف الحقائق وإظهارها بصورتها الواضحة البعيدة عن الأهواء، والإعلام الواقعي هو الإعلام الذي يهتم بإعلام كلِّ فرد في المجتمع بدوره ومكانته ومحاولة تطوير جميع القدرات وتوعية كلِّ الطبقات.
نحن بحاجة إلى إعلام يتناول المشكلات التي تفشَّت بين خيوط المجتمع السوري كالمشاكل الصحية والتعليمية، بالإضافة إلى تقليص دور الإعلام الحربي والإخباري، وعن حرية الإعلام أقول: لو كان الإعلام سلطة -رابعة كما يقال عنه- فأي سلطة سيكون في مناطقنا المحررة؟!