أنس إبراهيم
لعلَّ الكثيرين ممّن يمتلكون حقيقة مؤهلات في القيادة وتحمّل المسؤولية يعتقدون في ذاتهم أنَّهم قادرون على إدارة أي مؤسسة أو إدارة أي جمعية أو حتى قيادة مجموعة مؤلفة من عشرة أشخاص دون أدنى معاناة أو تقهقر، وذلك ظناً منهم بالصرامة وحسن التدبير الحازم، علماً أنَّه لم يجرّبوا الإدارة عملياً قط، وإنَّما هي عبارة عن هواجس نفسية تتراءى لهم من تلقاء ملكات ربانية وهبت لهم.
إنَّ عمليتي القيادة والإدارة على الرغم من وجود العديد من الفوارق بينهما إلا أنَّهما ربَّما يجتمعان في شخص واحد ضمن عدة ملكات فطرية جُبِل عليها، ومع تقدم الدراسات والنظريات حول مفهومي القيادة والإدارة في القرن الواحد والعشرين تبيّن أنَّ كلَّ تلك الدراسات والتنظيرات هي من قبيل البحث العلمي البحت، التي بدورها تؤسس لهذا العلم القائم بذاته ليأخذ بزمامه كلُّ من يتبوّأ أي منصبٍ كان.
ولذلك فإنَّ من يملك تلك المهارات بطبيعته وبشكل فطري لا يظنّنّ نفسه قادراً على تولي دفة الإدارة أو القيادة بدون تجارب ذاتية تصقل ملكاته وترتقي بها إلى مرحلة النضوج، وعندئذٍ يأتي العلم رائداً في تثبيت أقدام المدير في مكانه علماً وخبرة وتحصيلاً.
الثورة السورية أفرزت أماكن إدارية وقيادية في مختلف المجالات، والعديد من الأشخاص وجدوا أنفسهم في هذه الأماكن ولم يتخيلوا سابقاً أن يوجدوا فيها، وكلٌّ من هؤلاء الأشخاص بات يتصرف بحسب وجهة نظره الإدارية وبحسب ما مُورِس عليه من إدارة، حيث إنَّه انتقى أفضل ما عُومل به إدارياً، وبات يتصرف به في موقعه الجديد، وعلم الإدارة عالم واسع له مدخلاته المختلفة، فمنهم عمل مديراً شديداً، وآخر طيِّباً، ومديراً طيباً وشديداً، وآخر شديداً وطيباً، فما هو الأنسب من بين هؤلاء؟ وكيف أكون؟
المدراء الأشداء منظماتهم تحقق الربح، بينما العاملون فيها يخسرون، والمدراء اللطيفون الطيبون موظفوهم يحققون الربح بينما منظماتهم تخسر، والمدير الطيب الشديد يصبح كلامه مع مرور الوقت لا قيمة له، وإذا طلب شيئاً من أحد الموظفين ربَّما يقوم به وربَّما لا، فأفضل شخصية من بين هؤلاء أن أكون شديداً وطيباً، فهذا يضمن الصفة الإدارية، ويبقى مقبولاً لدى الموظفين.
والمدير الجيد هو الذي يجتمع بموظفيه ويصغي أثناء قيام الموظفين بمراجعة وتحليل ما أنجزوه في الأسبوع الماضي، والمشكلات التي واجهوها والأشياء التي ما زالت تحتاج إلى إنجاز، بعدئذ يقومون بوضع خطط واستراتيجيات للأسبوع القادم كي تتحقق الإنتاجية، والإنتاجية لا تعني كمية العمل فحسب، بل النوعية أيضاً، وأفضل سبيل لتحقيقه من خلال الأفراد، فمن يشعر بالرضا عن نفسه يحقق نتائج طيبة.
وفي غياب وجود أنظمة داخلية تحدد العمل لا بدّ من مراعاة ثلاثة بنود لتحقيق أكبر قدر من الفعالية:
أولاً: (تحديد الأهداف) وبذلك تتحدد المسؤوليات ويُحدد ما ستحاسب عليه ولن تُنجز شيئا ليس من عملك، ويتمُّ كتابة الأهداف بما لا يزيد عن صفحة ولا يزيد عن 250 كلمة بحيث تُقرأ بدقيقة، يأخذ المدير نسخة والمسؤول نسخة.
ثانياً: (الثناء) يجب أن يكون هناك اتصال وثيق بالعامل، يكون بملاحظة نشاطه بصورة وثيقة جداً وجعله يحتفظ بسجلات تفصيلية لتقدُّمه وإرسالها إلى المدير، وعلى المدير أن يحرص على ضبط موظفه وهو يعمل شيئاً صحيحاً، ويسارع بالثناء عليه، ويشاركه المشاعر الطيبة تجاه ما قام به، ويشجع الموظفين على تقديم المزيد من مثل ذلك العمل الجيد، ولو كانت الأمور لا تسير على ما يرام في مكان آخر.
ثالثاً: (التأنيب) ويكون على جزأين: الأول تأنيب الموظفين عن الخطأ الذي ارتكبوه، واطلاعهم بتعبيرات واضحة على شعورك تجاه أخطائهم، ثمَّ تقف لثوانٍ قليلة في صمت غير مريح يشعرون فيها بما تشعر.
أما الثاني فهو أن تصافحهم أو تضع يدك بيدهم، وتشعرهم بأنَّك حقيقة بجانبهم، وتذكرهم بمدى تقديرك لهم، وتكرر التأكيد بأنَّك تقدرهم جيداً لكنَّك مستاء من آرائهم في هذا الموقف، وأن تدرك بأنَّه إذا انتهى التأنيب فقد انتهى.
وأخيراً يجب أن تضع ضمن حساباتك أنَّ الحياة فرصة، والإنسان الناجح هو الذي يُحسن استغلال الفرص المتاحة بكلِّ طاقته، وفي الأماكن الإدارية ينظر العاملون إلى المدير على أنَّه المثال، فكن حقاً هذا المثال.