ليندة طرودي
اجتمعتْ غالبية العُقول في مجتمعاتنا على سؤالٍ واحد لا يتناقشون فيه.. يطرحونه ببراءة مُنتشية حتى تُصدِّق أنت لوهلة أنهم جندُّوا أنفسهم للاهتمام بك وبمشاعرك الخاصة وحُدودك الشخصية التي تضعُ لها عتبة، لكنَّهم يعبرونها بكل خِفّة مُتظاهرين بالعفوية والاكتراث لأمرك، صدَق الأجدادُ حينما قالوا مثلاً لا يزال محفوراً بذاكرتنا نحن الأجيال الاستثنائية “دير رُوحك مهبُول تشبع كسُور”.. بمعنى “تظاهر بالجُنون حتى تُحقِّق مُبتغاك واهتمام الآخرين”.
لا علينا، فهذه ظاهرة مُتفشية من عُصورٍ مضت، لكنْ ما الجدوى من سُؤال: متى تتزوجين؟ ألا تزالين عزباء؟ كم عُمرك؟ آه لا بأس سيأتي النصيبْ، لكنْ لما لم تتزوجي حتى هذا الوقت؟ هل أنتِ مريضة؟ لا تقولي يا “جايحة” وهي أقرب لكونكِ غبيِّة، هل تُحبين، لا زلتِ تُؤمنين “بالغُولِ إذاً”، الحُب لا مكان له بوطننا، تزوَّجي أوَّل من يطرُق بابك فكلُّ الرِّجالِ سواء..
“ما كانش اللي تزوجت خُوها ولا بُوها غير اللي دات عُدوها” أي لا تُوجد من تزوجت من هو بطيبة والدها وأخيها، وإنما فقط من تزوجت عدوها”، انظروا إلى التناقض؛ ينصحونك بالزواج والإسراع بذلك وإلا سيكسوك الندمْ، وبعدها يرمُون لك بأقوالٍ ونصائح تسد نفسك للارتباط، لا يتركون المجال لك لاقتحامه والتعرف على هذا العالمْ ووضع نسبك بالخانات المُناسبة، فقط كلام كلام لا نهاية له إلا “التطنيش” أو الانعزال بالبيْت حيثُ لا أسئلة تُصيبك بالغثيان.
والأَمَرُّ من هذا كلِّه هو النصيحة الذهبية بماذا ستعود عليكِ الدراسة؟ لن تنفعك، “أَتْسَترِي في دار راجلك، يا بنتي دارك مسترة عارك”.. يا إلهي وأيُّ عار أقومُ به، هل طلبُ العلم عار، هل البحث عن ذاتك حرام، وهل وهل؟
حقاً وا أسفاه على مُجتمعاتنا، لا ألوم العجائز، ربما البيئة والظروف التي كُنَّ فيها والضغوطات التي مررن بها تدفعهنَّ للخوف على بناتهن وتقديم النصائح، لكنَّ المُصيبة العميقة هي التي تأتي مِمَّن هُنَّ بنفس أعمارنا، تعلمنَّ وتسلحنَّ بقيمة لن تندثر رُغم مصائب الحياة، وهل هُناك أشرفُ من طلبِ العلم، وتأتي لتتفلسف بأنَّ الخاتم بالإصبع، أفضل من الشهادة في الدرج المهجُور، لا بأس تزوجي أنتِ ودعيني أنا أعزِف على الوتر الذي يروق لي فلا أحد سيعيشُ حياة أحد.
من منَّا لا تتمنى أن تتعلم لتكون قُدوة لأبنائها، من منَّا لا تحلم برجلٍ يحترم ذاتها ويُعاملها بالحسنى، كما جاء بديننا، من منَّا لا تُحب الستر والعفاف، من منَّا لا تحلمُ بتكوين عائلة وتوزيع حنانها على أفرادها، كنَّا نُلاعب الدُمى، هل نرفض من يكون نصفنا الآخر، من يكون سندَنا ونكون سكنَه، لكِن هنُاك نصيب ومن ليس مُقدَّر لها أن تتزوج، هل تُعانق الحُزن، والبكاء على حالها، لا وألفُ لا فكلّ واحدة لها رسالة بهذا العالم، هناك من تُربي أجيالاً بالبيت تُعطيهم الحنان وتورثهم المحبة وهناك من تُربي أجيالا بالمدارس وتسقيهم من العلم ما لذَّ وطاب، هُناك أمهات بالداخل ومكافحات بالخارج لأجل اللُّقمة، فلا عيب في كسبِ الحلال وكلُّها أرزاق من الله سبحانه.
لِمَ كلُّ هذا العتبْ على الفتاة التي لم تتزوجْ، لِمَ وصفُها بـ”البايرة” أو العانِس؟ استحُوا من ألفاظكم وتجمَّلوا بالقولِ الطيب، كفاكُم نخراً للقلوب.. كفاكُم إهداراً لدموع بناتِ النَّاس، دعُوا الخلق للخالق واهتمُّوا بشؤونكم، فلا شيء يبور إلاَّ السلع وذاك قانُون التجارة الذي يُسيّره الربح والخسارة، الفطنة والشطارة، لكنْ هذه أقدار ومكاتيب إن أراد الله لها أن تكون.. ستكون..
هي رسالة.. المرأة ليْست آلة فُرِض عليْها أن تُقلِّب المنزل رأساً على عقب كلَّ يوم، ليس مكُتوبٌ على جبينها: اغسلي واطبخي واصمتي، وإن لم يُعجبكِ فانصرفي أو تحمَّلي العُنف والضرب والوصف الشنيع! المرأة إنسان له مشاعر وعقل قابل للنِّقاش، المرأة تتعبْ وليست آلة تتنشَّط بوخزة كهرباءْ، إن طبختْ وكنستْ فذاك كرمٌ منها وليس فرضاً مُحتَّماً عليها، إن أردتُم قولوا شكراً، وإن لم تُفعلوا فهي لا تنتظر منكم جائزة نوبل، فالعطاءْ لا ينتظر المُقابل وإلاَّ لما كان كذلك، لذا من فضلكم انظروا للمرأة كفاعل في تربية المُجتمعات وليس كحِملٍ ثقيل وهمٍّ مُتأصِلٍ بالجذُور..
متى تتزوجين؟ إن شاء الله سأفعل وإن لم يُقدَّر لي لن أفعلْ، حسناً لنُغير السؤال قليلاً إلى ماذا تطمُحين؟ متى تتخرجين؟ لنفرح بما قدَّمتِ، حتى نُشجِّعك، أوْ مثلاً أمنياتُنا لك بشريكٍ طيِّب وكما يقولُ أهلُ الكلام الطيِّب والنُصحِ الرشيد من تعيشين معه جميل ومُرَّ الحياة “حُلو ومُر حتى يفنى العُمر”.
المصدر: مدونات الجزيرة