بشير جمال الدين
انتشر مؤخرا مقطع مصوَّر يظهر فيه الشيخ عبد الفتاح مورو منسلخاً عن لباسه التقليدي وهو يمثل دور مهرجٍ على خشبة المسرح يصطف أمامه جمهور من الرجال والنساء، وتلاصقه مذيعة سافرة في برنامج تلفزيوني يعرض على قناة تونسية ….
ما فعله الشيخ كان محاولةً لإظهار التدين بشكله المعتدل المنفتح على ثقافة المجتمع والذي يرى الشيخ عبد الفتاح فيه شكلاً حسناً جذاباً يدفع شبهة التشدد ويستقطب العنصر المُهمَل في برامج الدعاة في معظم بلاد المسلمين وهو عنصر الشباب الذين لا يرتادون مسجداً ولا يجدون لمجلس علمٍ طريقاً. هذا السلوك الذي لا يخلو من مخالفة شريعة لاقى ردوداً متفاوتة في أوساط المجتمع التونسي وخاصة من أنصار حركة النهضة التي يشغل الشيخ عبد الفتاح منصباً قيادياً بارزاً فيها…
المشاهد يعلم أنَّ مورو لم يتصدر بظهوره في المشهد على أنَّه فقيه يجتهد بحكم الاختلاط ويشرعن له؛ إنَّما هو سياسي رزين يتصرف بسلوك شخصي؛ لكن ما يلبث أن يظهر مورو على إحدى القنوات موضحاً موقفه، وهنا تحديداً تطفو المشكلة على سطح القضية، إذ لم يعتذر مورو عن فعله، بل اعتبره موافقاً لأحكام الشريعة غير مخل فيها، وإنَّما اعتذر عن النتائج غير المتوقعة، وعن عدم ملاءمتها للوسط الثقافي للمجتمع التونسي..
هنا أودُّ الإشارة إلى أنَّ خطوات الانفتاح الديني تستوجب شروطاً لعلَّ أكثرها بداهةً موافقتها للشريعة، ولعلَّ أعلاها هو حساب نتائجها على المدى البعيد والقريب وفي مستويات العقول والأوساط على اختلافها.
نستطيع أن ندرك أنَّ فعل الشيخ ناتج عن ضغوطات متعددة ناتجة عن الشرخ الحاصل في مجتمع مُستلَبٍ للغرب باعتباره منفتحاً على ثقافته مرتبطاً بلغته، وهو ردّ فعل أيضاً على سلوك علماني فردي وجماعي ممنهج يهدف إلى تعتيم الخط الفاصل بين اعتدال أهل السنة وشذوذ الخوارج المتشددين، ما يدفع بالمسلمين من أهل السنة لردود فعل بالاتجاه المعاكس، ردودٍ غير منضبطة وغير محسوبة النتائج ،وهنا يُكمل الإعلام العربي المُوَجَّه والمدعوم علمانياً وغربياً مهمة تمرير بعض هفوات الشيوخ وآرائهم الشاذة، وسقطات بعض السياسيين على أنَّها رأي مستساغ ، وخلاف معتبر، ما يدفع الشباب العربي ليفقد ثقته برموز أمته وعلماء عصره ، فيقتنصها فرصةً كلّ تنظيم وكيان خارجي متشدد ليبث بين عناصره بأنَّ أخطاء الشيخ الفلاني نابعة من قناعاته وفهمه الخاطئ للدين، ثمَّ يلجأ للتعميم أسلوباً حين يربط بين خطأ الشيخ ومنهج الجماعة الإسلامية التي يعتنقها.
وهناك عقلية أخرى، العقلية التبريرية التي تبحث عن تصريفات لأخطاء العلماء لتشرعن سلوك هفى أو كبى، ثمَّ تدعو إليه وتقوي دعوتها باستشهادها بسلوكٍ تفرَّد به عالمٌ بفتوى شاذة لم تجد إلى الاتفاق سبيلاً؛ فتميع بذلك جيلاً يظن الباطل حقاً.
ما هو واجبنا تجاه زلات العلماء وأخطاء الرموز؟
تعاطينا مع خطأ العالم يدخل في مضمارين: الأول تعاطينا مع الخطأ باعتباره حكماً فقهياً أو فتوى أو سلوكاً؛ يجب عدم الأخذ به والتحذير من اعتماد شواذ الأقوال لدى العلماء، يقول سليمان التيمي: ” لو أخذت بكل زلة عالم لاجتمع فيك الشرُّ كله” وقال ابن عبد البر معلِّقاً: “هذا إجماع لا أعلم خلافاً فيه” وربَّما بالغ الأوزاعي في التحذير من هذا الأمر بقوله:” من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام”.
وأمَّا المضمار الثاني فهو مضمار التعاطي مع العالِم، هنا يجب أن نستحضر هدف العدو الذي يرمي إلى إسقاط القدوات والرموز، ولذلك يجب أن ننصح العالم دون إساءة لشخصه أو منهجه أو جماعته، فإن لم يرجع نُحَذِّر من خطئه دون المساس بشخصه أيضاً، وبذلك نقطعُ الطريق على مخطط العدو، ونسلمُ من شواذ الأحكام.