نتابع اليوم رواية الخيال الملتبس بالواقع أو الواقع الملتبس بالخيال حيث تدور وتبدأ القصة عند اقتراب الانتخابات الأمريكية حينما يقرر الرئيس الأمريكي ترشيح خليفة له يكون أقل ولاءً لإسرائيل وفي نفس الوقت يخطط رئيس الموساد الإسرائيلي شتيرن للعملية هيبرون التي تهدف لإنجاح عميل لإسرائيل بالوصول إلى منصب رئيس الدولة من خلال الانتخابات يحقق لها أهم أهدافها، وبعد تردد يوافق رئيس وزراء إسرائيل ويكلف مدير الموساد في واشنطن بتنفيذ العملية.
في وسط هذه العملية الكبرى تجري وقائع القصة، وفيها يظهر أنَّ الموساد رأى ضرورة تصفية أحد السفراء الامريكيين جسدياً وهذا السفير هو ريتشارد سورينسون ممثل الولايات المتحدة في عاصمة السوق الاوروبية بروكسل (بلجيكا) والداعي إلى القتل أنَّ السفير سورينسون صديق شخصي للرئيس دوجلاس، وكان مدير حملته الانتخابية قبل تعيينه سفيراً، لكنَّه الآن من موقعه في بروكسل يقوم باتصالات مع بعض الأطراف العربية، وهي اتصالات متعددة الأهداف فيها الاتصال لمجرد الاتصال أي (المعرفة عن قرب) وفيها الترويج لمبيعات (بينها السلاح)، وفيها التمهيد لمقترحات وصيغ تخدم مفاوضات السلام قبل بدئها وعند توقفها.
والسفير سورينسون ليس صديقاً لإسرائيل ومشاعره نحوها ليست جلية بما فيه الكفاية، ولأنَّ تأثيره على الرئيس دوجلاس زائد، فإنَّ بقائه في منصبه قد لا يكون له لزوم من وجهة نظر إسرائيل، لأنَّ استهدافه بحملة تشويه لسمعته قد يجيء بأثر عكسي يضطر الرئيس للوقوف دفاعاً عنه أو عن نفسه، وهو أمر غير مطلون وخصوصاً أنَّ إسرائيل على وشك أن تبدأ العملية هيبرون، إذاً فإنَّ الحل المناسب هو تصفية سورينسون، وتلك عملية سهلة لأنَّ السفير زير نساء لا يستطيع مقاومة ساق عارية أو صدر نافر، وشفاه من حبات الكرز تنادي شفاها غيرها وتنفجر عندما تتلامس الشفاه.
وقد وجد الموساد هذه المواصفات المطلوبة لغواية سورينسون في فاتنة صربية الأصل اسمها جاكي ماركوفيتش وشخصيتها مزيج خطر من القوة والقسوة، فهي مصابة بالعقد من طفولتها؛ لأنَّ زوج أمها اعتدى عليها بانتهاك براءتها، وبعدها –كذلك يظهر- فإنَّها خرجت تنتقم من كل رجل خصوصاً إذا كان في عمر زوج أمها، أي في منتصف الحياة، فلا هو الشباب ولا هو اليأس، وعليه فاستعدادهم للغواية يسبق تعرضهم لها، وذلك ينطبق على السفير سورينسون ويتضح من القصة –والكاتب خبير مجرب- أنَّ مخابرات الدول الكبرى حين تقرر التصفية الجسدية لشخص لا تمارس القتل بعملائها، وإنَّما تلجأ إلى فئة من القتلة الدوليين الجاهزين للعمل وفقاً لعقود، وقيمتهم أنَّه يصعب الوصول إلى آثارهم بواقع أنَّه ليس لهم وجود في الحياة السابقة لضحاياهم ومن ثم فهم ليسوا على قائمة المشتبه فيهم إلى الجريمة.
اقرأ أيضاً: العملية هيبرون، الحقيقة والخيال (1)
وأصعب الجرائم استعصاء على الكشف هي الجريمة التي لا دافع لها عند القائم بها، فنقطة البداية في أي تحقيق جنائي تبدأ عادة بالبحث عن المستفيد من الجريمة، فإذا لم يكن هناك مستفيد تأخر أو تعذر الإمساك بخيط يؤدي إلى الفاعل.
يتضح أيضا في السياق أنَّ المخابرات المتمرسة في عملها حين تكلف قاتلاً محترفاً بعملية تصفية جسدية لا تفعل ذلك مباشرة، وإنَّما تفضل أن يصدر التكليف عن غيره أو على الأقل أن يبدو كذلك.
وكان ذلك ما حدث بالضبط بتكليف جاكي ماركوفيتش الصربية الفاتنة باغتيال سورينسون السفير الأمريكي في بروكسيل، وفي هذه الحالة فإنَّ الموساد تصرف بحيث ظلت جاكي ماركوفيتش التكليف الذي جاءها باغتيال سفير أمريكي صدر عن المخابرات الإيرانية.
ثم حدث بعد تصفية سورينسون فعلاً أنَّ جاكي لم تجد قيمة عقدها كما هي العادة في حسابها في البنك وتحققت من الخديعة، وراجعت ممثلي الموساد فأنكروا وأحست أنَّهم فوق استغلالها يريدون أكل حقها بعد تنفيذ ما طلبوه منها في بروكسيل، وقررت بجرح امرأة عرفت من قبل ألم الجراح أن تنتقم. وفي يوم إعلان نتائج الرئاسة الأمريكية كانت جاكي على موعد من الانتقام من تيرون مسؤول الموساد في واشنطن، فقد كان هو الذي أنكر عليها تحويل قيمة عقدها مصمماً على أنَّ تكليفها كان من الإيرانيين وليس من الإسرائيليين، وليلتها تعقبت تيرون إلى موعد سري ذهب إليه ولم تكن تعرف أنَّه في لقاء مع هيبرون العميل الذي ساندته إسرائيل ليصل إلى المكتب البيضاوي في البيت الابيض.
وهكذا فإنَّ جاكي تفاجئ مدير الموساد في واشنطن تيرون في لحظة انتصاره الأعظم بعد نجاحه في وضع عميل لإسرائيل في المكتب البيضاوي في البيت الابيض، وتصوب إليه رصاص امرأة مجروحة مصممة على الانتقام منه، وبالفعل تقتله، لكنَّها تقتل معه رجلا آخر يتضح أنَّه رجله المختار هيبرون، وهو في الوقت نفسه الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد.
وهكذا فإنَّ إسرائيل في ذروة تحقيق أوسع أحلامها خسرت –بمجرد مصادفة-عميلها الجاهز للرئاسة الأمريكية (في ظروف حاسمة ونهائية) في البيت الأبيض، وضيعت برصاص امرأة مخدوعة ومجروحة ومعقدة مدير محطة الموساد في واشنطن والرجل الذي حقق لإسرائيل خيالها المستحيل.
وهكذا انتهت أحداث الرواية المفعمة بتفاصيل عمل الاستخبارات وتداخل الاستخبارات الروسية مع الأمريكية مع الموساد مع أصحاب المليارات العرب –وبالذات الذين جمعوا ثرواتهم من عمولات صفقات السلاح-مع عصابات المافيا…
وما أشبه ما حدث بالأمس القريب بأحداث الرواية، حيث فاز بالانتخابات الأمريكية المرشح الأبعد عن الفوز، وفيما يبدو بمساعدة المخابرات الروسية، ويجري الآن حوار حاد داخل المؤسسات الأمريكية لمعرفة حقيقة ما جرى والتصرف إزاءه.