ياسر العيتي – محمد منير الفقير |
تدفع الطبيعة التراكمية لعمل المقاومة السلمية أو الحراك المدني السلمي الكثير من الناشطين والمهتمين بقضية الثورة السورية إلى طرح سؤال الجدوى عند كلِّ استحقاق تُطرح فيه الأنشطة المدنية كخيار للتعاطي معه، وتزداد واقعية هذا السؤال حين تناول ملف الحراك المدني في خارج سورية الذي يلقى على عاتقه مسؤولية الوصول إلى الحد الأدنى من التحشيد الجماهيري للجمهور السوري، ثم تحشيد الرأي العام في بلاد اللجوء والاغتراب، وصولاً إلى التأثير على سياسات صانع القرار في هذه الدولة أو تلك.
الشعور بعدم الجدوى لا يقتصر على المسافات الطويلة التي ينبغي على الفعل المدني أن يقطعها في سبيل الوصول إلى مبتغاه، وهو إنتاج حالة سياسية خارجية ضاغطة على نسق الفعل السياسي الدولي المؤثر بالقضية السورية، وإنَّما يتعداه إلى الاعتقاد الجازم بتراتبية الفعل السياسي وانتظامه ضمن أنساق دولية بعيدة عن إرادات الرأي العام المدني في هذه الدول، الذي وإن افترضنا واقعيته لكنَّه لا يلغي حقيقة حتمية وجود أثر تراكمي ذي مشروعية جماهيرية ضاغطة تشكل عبئاً على صانع القرار سيما إذا نجح ناشطو الحراك في عرض قضيتهم على الرأي العام في دول الهجرة واللجوء ضمن حزمة تسويقية وإعلامية تظهر تلازم مصالح هذه الدولة واستراتيجياتها البعيدة والقريبة مع مصلحة نجاح الثورة في تحقيق أهدافها.
كما يضاف إلى عوامل عدم الشعور بجدوى الحراك المدني السلمي عوامل ذاتية مرتبطة بخطط الحراك وبنيته وعلاقاته البينية، فيصبح تجاوز العمل وفق ثنائية الاستحقاقات العاجلة والرد عليها بأنشطة مدنية معينة للتحول إلى استراتيجيات عامة ومرحلية ودراسة السيناريوهات ووضع خطط بديلة أولوية في تطوير الاستجابة للحراك المدني والشعور بجدواه، كما أنَّ قدرة هذا الحراك على سند الفاعلين السياسيين السوريين الذين يسعون إلى الدفع بقضية الثورة السورية في أروقة القرار السياسي لهذه الدول بزخم جماهيري من السوريين ومن الرأي العام في هذه الدول والتزام السياسيين بالخطوط العامة للثورة السورية ووضع مسألة الرضى الشعبي في حساباتهم السياسية وتحقيق التكامل بين الفعل السياسي وعمل الحراك المدني السلمي ومدى قدرة السياسيين السوريين على مدِّ جسور التواصل مع صناع القرار في الدول المختلفة، كل هذا يزيد من شعور الناس بجدوى الحراك وأهميته، وهو ما سنفصِّله في مقالٍ تالٍ عبر مناقشة آليات الفعل المدني بشكل عام داخل سورية وخارجها وآليات التحشيد لكسب أي قضية سياسية أو حقوقية.
نركز في هذا المقال على أهمية بناء كتلة صلدة للحراك المدني السلمي، حيث شهد صيف العام 2017 عودة لنشاط السوريين في الخارج مدنياً وازدياداً نسبياً في المشاركة في الأنشطة المدنية المناهضة للأسد والسياسات الدولية تجاه القضية السورية، وحين نتكلم عن هذه الكتلة فإنَّنا نتناول الفعل المدني السوري الجديد بمجموعه الوازن والعابر لحدود دول الاغتراب فضلاً عن حدود الوطن، حيث يخشى أن تعاني منظومات الحراك المدني من الاستقطاب السياسي وفق سياسات الدول المستضيفة لكل منها أو الاستقطابات السياسية بصورة عامة، وأيضاً وبالاتجاه المعاكس الخشية من التحول إلى كتلة حزبية صماء تمارس أدواراً سياسية صماء وينظم الناشطون فيها ضوابط العامل التنظيمي وأصوله، وهو أيضاً ممَّا يزيد من عزلة هذا الحراك عن المجتمع الثوري المنكفئ عن الفعل.
وهنا يجب التأكيد على أنَّ من أهم ميزات الحراك المدني الناجح تركيزه على قيم وطنية جامعة يستطيع من خلالها تحييد حالة الاستقطاب السياسي أو حتى المناطقي أو الإثني أو الفكري، وقدرته على توحيد جميع السوريين في بوتقة ثورية مدنية فاعلة ومؤثرة لا يربط فيما بينها العقد التنظيمي الحزبي بل مبدأ الربط الشبكي من خلال تطوير آلية محكمة تركز على توزيع المسؤوليات على جميع المهتمين بنشاط مدني معين، كالتظاهر أو تنظيم الفعاليات والمعارض، وذلك عبر شبكات المسؤوليات، حيث تحدد مسؤولية كل ناشط عن التواصل مع 10 آخرين على سبيل المثال فقط بهدف الحض على المشاركة والتواصل والحضور، فيما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي والغرف والمجموعات الافتراضية دوراً مهماً في تناول تكتيكات الحراك ودراسة توقيت الحملات ورسالتها وما إلى ذلك.
ويجدر القول هنا إلى أهمية أن يبقى الحراك المدني على مسافة واحدة من جمهور الثورة في الداخل والخارج من جهة، والبنى السياسية والأحزاب السياسية التي تتبنى مبادى الثورة وتلتزم بسقف مطالبها.
فينجح في بلورة قيم وأهداف سياسية عامة تجعله بعيداً عن قصر نظر العامة ومحلية رؤيتهم وفي الوقت نفسه خارج إطار المساومات السياسية والاضطرار إلى خفض سقف المطالب، فيتركز فعل الحراك المدني على التحشيد للقضايا والتخطيط للحملات وابتكار آليات فعالة لتحقيق أهداف الحراك، وأيضاً قدرة الحراك المدني السلمي على جسر الهوة بين الداخل والخارج والاتساق مع حركة ومطالب السكان الرافضين للأسد ونظامه على الأرض والقدرة على التعبير عنها أصدق تعبير.
وتتنوع أهداف الحملات والقضايا التي يدفع بها الحراك ويحشد من أجلها، فمن ضغط على صانع القرار في دولة ما إلى إظهار عوار النظام نفسه والتأثير في حاضنته بصورة أو بأخرى إلى استعادة الأمل لدى الناس وخاصة في الداخل بأنَّ الثورة ماتزال مستمرة، إلى تفعيل الكثير من الطاقات الشبابية الكامنة، إلى ضبط وتوجيه البنى السياسية والمدنية والعسكرية المحسوبة على الثورة كي لا تحيد عن مصالح السوريين وتطلعاتهم وغير ذلك.
إنَّ الانعتاق من فرضيات المؤامرة والانفكاك من قيود الاستناد إلى أرضية العجز، وإعادة تقييم القوة المدنية والسياسية الكامنة وتحويلها إلى أثر ذي مردود حقيقي لصالح قضية الشعب السوري، يتطلب بذل جهود إضافية في تحقيق التكامل بين الفعل السياسي والحراك المدني ، ووضع استراتيجية وخطة عمل للحراك تنظمها قيم سياسية ثورية جامعة، تعصم الحراك من الانزلاق إلى فخ الاستقطابات ، كما تزداد أهمية التفكير بآليات لتوظيف إمكانيات الناشطين وتفعيلهم في الحراك من خلال تفعيل نظام الشبكات والاستفادة من الإمكانيات التي توفرها الوسائل الحديثة (1-2) … يتبع