غسان الجمعة |
تحت جنح الظلام وفوقها مظلة الدرونز الأمريكية (طائرات استطلاع) التفَّت ميليشيات الحشد الشيعي على محافظة كركوك العراقية كثعبان طال به انتظار لحظة الخطأ من قبل فريسته، اقتحمت بخطط الحرس الثوري الإيراني وبقيادته وبمدرعات وآليات دول الاتفاق النووي (التحالف الدولي) ودنَّست قدس كردستان كما يسميها الأكراد العراقيين بأقدام أبي عزرائيل وأمثاله.
وبغض النظر عن ممارسات البشمركة واضطهادهم للمكونات العرقية في المدينة خلال فترة سطوتهم عليها، وبعيداً عن أنابيب نفطها المنهوب على حساب أهلها، لفت انتباه العالم وكسر معنويات الأكراد موقف الولايات المتحدة وحلفائها من الاعتداء الإيراني على كردستان التي تعتبر من وجهة نظر غربية كانتوناً حليفاً في المنطقة.
الحلول السلمية والتفاوض وتجنب الصراع هي أقصى ما قدمته الدول الغربية لقوات بارزاني التي كانت بالنسبة إلى البيشمركة أشبه بلحظات الوقت الضائع للمحكوم عليه بالإعدام قبل تنفيذ الحكم به.
ما جرى بالعراق كان يراقبه الكرد بكل أنحاء العالم بالأسى والخذلان وشعور بالخيانة، لكن من كان يرقب بشكل أدق هم الأحزاب الكردية السورية (قسد) كون المنطقة تخضع للاعبين ومعطيات وحيثيات صراع واحدة، بل ولظروف باتت متشابهة كثيراً بين العراق وسورية.
هذه التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة دفعت الكرد إلى الرد على تصريحات وزير خارجية الأسد بتفهم دمشق لمطالب الكرد السوريين بالترحيب والاستعداد للحوار والتفاوض، وكان يقف من خلف هذا الموقف فشل بالون الاختبار الكردي للولايات المتحدة في كركوك.
هذا التحول في وجهة النظر الكردية يشوبه الكثير من القصور، فاليد المشلولة لا تساند اليد المبتورة، لأنَّ سورية الأسد باتت من الماضي، والشعب أبقى من جلاده، وعدو كردستان العراق هو نفسه عدو ما يسمى الإدارة الذاتية في سورية، و كما تغنى إعلام الممانعة بجرافات التدمير بهدم حلب، تغن إعلاميوه نفسهم بالجرافات التي أزالت لافتات ورموز كردستان في المناطق التي اجتاحتها ميليشيات الحشد الشيعي في كركوك.
لقد أخطأ الساسة الكرد في سورية كثيراً عندما طعنوا الثورة السورية بخنجر المطالب الحزبية والعرقية الخاصة بهم، وتراجعوا عن حراك جماهيري يسعى بالأساس للمطالبة بحقوق الشعب ونيل كرامته، وهذه الحقوق تصب بالمصالح نفسها والتطلعات للكرد السوريين.
بل نسفت قيادات الأحزاب الكردية عرى التآخي و الود، و أوغلت في زيادة الشرخ بين مكونات الشعب السوري مدفوعة بالخداع الأمريكي بسياساتها في مدن و قرى المكون العربي شمالي حلب والرقة والجزيرة بشكل عام، ووضعوا أنفسهم بيادق باليد الأمريكية مقابل وعود جوفاء.
إنَّ ارتهان القيادات الكردية للسياسة الأمريكية، ومدّ يدها لنظام الأسد المجرم يضعها الآن في خط المواجهة مع الثورة السورية لتحقيق مصالح جيوسياسية لا تصب في مصالح وتطلعات وحقوق الشعب السوري عموماً، و المكون الكردي على وجه التحديد وبالأخص النهج الذي يُدفَع إليه الأكراد للمواجهة مع الجمهورية التركية التي تمثل الثقل و المتنفس الوحيد للثورة السورية في الشمال.
فهل يعي المكون الكردي المكائد التي تحاك ضد الشعب السوري بدون تمييز لإخضاعه وقمع ثورته؟
وهل تميز هذه الأحزاب بعد صفعة كركوك بأي ذراع تضرب، و بأي أداة تنفذ؟ أم أنَّها ستكون مشهداً تمثيلياً حيّاً للمثل الشعبي “القط بحب خنَّاقه”؟؟