مبعوث بريطانيا يوضح حقائق انتصار الأسد والحرب بسوريا
قال غاريث بايلي، ممثل بريطانيا الخاص إلى سوريا، أمس الجمعة : ” شارفت أيامي الأخيرة في منصبي ممثلاً بريطانياً خاصاً إلى سوريا على نهايتها، وحين أتأمل ثلاث سنوات قصيرة قضيتها في مهمتي هذه، أرى أنّ الكثير من التغيير قد طرأ في سوريا، لكن في الوقت نفسه الكثير أيضاً ظل كما هو من دون تغيير ” .
مضيفاً : ” لا شك أن هذا الصراع شهد أياماً وفظائع أسوأ بكثير، وأغلبها من صنع نظام الأسد الذي لا يعبأ بصالح الشعب السوري، في محاولة لحجب واقع شنّ حرب هوجاء على المواطنين السوريين، اليوم، هناك الكثير من الكلام الذي يُلقى على عواهنه، والتحليلات المرتجلة التي توحي بأن الأسد و داعميه قد ( ضمنوا النصر في الحرب )، عبر مزيج من التقدم العسكري الحاصل تحت غطاء من القصف الجوّي الكثيف، و سلسلة من مئات عدة مما يُطلق عليه ( اتفاقات مصالحة ) مع المجتمعات المحاصرة، التي لا خيار أمامها سوى الاستسلام أو التضوّر جوعاً و التعرض للقصف، بينما تتبجح الأبواق الإعلامية بالمصالحة، تعمل الآلة العسكرية على وضع قادة المجتمعات و ناشطي المجتمع المدني في حافلات خضراء تتوجه بهم نحو مصير مجهول و محفوف بالخطر ” .
و تابع قوله : ” لكن رغم كلّ التعقيدات التي تنطوي عليها هذه الحرب، فإنّني ما زلت أؤمن بثلاث حقائق :
– الحقيقة الأولى : ليس هناك شيء اسمه ( نصر ) و لن يكون لهذا الصراع ( حلّ عسكري )، و قوات الأسد تتضاءل باستمرار، و يزداد اعتمادها في البقاء باطراد على الميليشيات الأجنبية و القوة الجوّية التي تحميها، و من خلف الخطوط الأمامية المتقدمة، يخلّف الجيش السوري و الميليشيات وراءهم أراضي ممزّقة الأوصال تخضع لتسلّط أمراء الحرب الساعيين لتحقيق مكاسب شخصية قبل أيّ شيء آخر .. يمكن المجادلة بالطبع بأنّ الأسد لا يبالي بذلك، طالما أنه يحتفظ بقطعة من ( سوريا مفيدة ) له، و طالما أنّ سوريا تحتفظ بمقعدها في الأمم المتحدة بفضل الحماية الروسية، فمهمة النظام، في نهاية المطاف، هي الحفاظ على بقائه و السيطرة على البلد، و ليس إحلال السلام فيه؛ لكن يجب ألا نستكين لذلك؛ إذ إنّ عدد المتضررين بسبب النظام و داعميه هائل جداً: ما يزيد عن 400 ألف قتيل؛ و نحو 13 مليون محتاج إلى المساعدة؛ وأكثر من نصف سكان ما قبل الحرب باتوا نازحين داخلياً أو اضطروا للهرب؛ واقتصاد انكمش بنسبة تفوق 60 في المائة؛ وشعب يعاني من الصدمة؛ و جيل من الأطفال بلا تعليم أو أمل. إنّ نظام الأسد هو من يتحمّل المسؤولية الكبرى عن معاناة الشعب السوري، و تفاقم التطرف و الإرهاب، وفسح المجال لبروز «داعش». و قد كانت الأمم المتحدة قد لفتت الأنظار من قبل إلى ( تفتيت الفسيفساء السورية ) المتمثلة بالتعددية السكانية في سوريا ” .
– الحقيقة الثانية : ” بإمكان سوريا أن تجد السلام الحقيقي بالانتقال بعيداً عن الأسد إلى حكومة يمكنها حماية حقوق جميع السوريين، و توحيد البلاد و إنهاء الصراع، و كثيراً ما يسألني الناس عن تركيز بلدي على أخطاء الأسد؛ لِمَ لا نسلط الضوء كذلك على انتهاكات ترتكبها أطراف أخرى ؟ أولاً، أنا لا أتعمد تجاهل كافة و أيّ من الانتهاكات التي اقتُرِفت باسم هذه الحرب من هذا الجانب أو ذاك، ثانياً، تتحمل ما يُطلق عليها الأسد اسم ( حكومة ) المسؤولية الأساسية عن حماية شعبها، وثالثاً، فإنّ آلة الحرب الأسدية هي التي قتلت أو دمّرت حياة أو تسببت بهرب الغالبية العظمى من الضحايا السوريين لهذا الصراع ” .
– الحقيقة الثالثة : التي أؤمن بها تتعلق بما يحدث حالياً : ( التهدئة ) ” يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لتقليل و تهدئة وتيرة العنف في أنحاء البلاد .. قد يقول الناقدون إنّ التهدئة خطوة من المجتمع الدولي على طريق التطبيع مع النظام، أو لعلّها العكس تماماً؛ أيّ أنّ التهدئة في أجزاء مختلفة من سوريا بطرق مختلفة هي خطوة تجاه تقسيم البلاد أو على الأقل تجميد الصراع للأبد، بينما يتساءل آخرون ما إذا كان باستطاعة الدول الغربية أن تستغل بشكل جدّي مسألة إعادة الإعمار أداةً لفرض العملية الانتقالية، ففي نهاية المطاف، الأسد – وليس الروس – هو من قال بوضوح إنّه لن يسمح لأعدائه أن ( يحققوا بالسبل السياسية ما فشلوا في تحقيقه في ميدان المعركة وبالإرهاب ). وهناك من يجادل بأنّ النظام سينجو بفضل أيّ دعم محدود يمكنه الحصول عليه مما يوصف عموماً بالشرق.. عندئذ سيظل الأسد يماطل إلى أن نذعن له؛ إعادة الإعمار لدى انطلاق عملية الانتقال السياسي، وليس قبل ذلك، فالمساعدة مبكراً تعني الرهان على أنّه باستطاعتنا إصلاح سوريا من الداخل، بينما الأسد و نظامه مستمران في الحكم، تلك سذاجة، و تُغفل تركيز النظام على مصلحته وليس على مصلحة سوريا والسوريين ” .
و ذكر بايلي، ” يحملني ذلك للحديث عن حقيقة رابعة، وهي، خلافاً للحقائق الثلاث السابقة، حقيقة لست متأكداً كيف سينتهي بها المطاف: ألا وهي ضرورة المضي قدماً في عملية الانتقال، و أن السوريين هم من سيقرر كيفية حدوث ذلك، الطريقة السهلة و البسيطة للنظر إلى هذه الحقيقة هي أن يقرر السوريون العملية الانتقالية، ويتوقفون عند ذلك الحد، فهناك بطبيعة الحال ( بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 ) وهما واضحان بما فيه الكفاية ” .
و أضاف : ” أمّا الطريقة الأصعب للنظر إلى هذه الحقيقة، فهي الإقرار أولاً بأنّ مفاوضات جنيف لم تحقق تقدماً طوال الـ 18 شهراً منذ انطلاقها، رغم الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا، و رغم كل ما يُوجَّه للمعارضة من انتقادات، فإنّ النظام هو من يتحمّل هنا أيضاً المسؤولية الكبرى عن ذلك؛ حيث إنّه لم يُبدِ استعداده للتفاوض؛ فمحادثات جنيف ضرورية للغاية، رغم صعوبتها؛ و مسؤولية الدفع تجاه تحقيق تقدّم في عملية للسلام تقع على عاتق من يدعمون الأسد كي ينتصر، حتّى وإن كان ثمن ذلك النصر خسائر فادحة، وفي غضون ذلك، علينا ضمان أن محادثات جنيف تتفهم و تعكس وجهات نظر ملايين السوريين في المنطقة الذين لا صوت لهم، و الأمر الواضح هو ضرورة أن يشهد السوريون محاسبة مرتكبي الإساءات و انتهاكات حقوق الإنسان طوال هذه الحرب ” .
المصدر : ( الشرق الأوسط )