بقلم : أنس إبراهيملقد مرَّت سنوات عديدة على المجتمع العربيّ ملؤها الأمن والرخاء، بحسب ما تدركه عقولهم وتتمتع به أجسادهم في لحظةٍ شعوريةٍ آنية لا تعبّر إلَّا عن ضيق أفقِ صاحبها، وقلَّةِ حِيله السياسية حيال ما يجري من مفاوضات ومعاهدات بين الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية العربية منها والفارسية أو الشيوعية، هذه المفاوضات والمعاهدات لا تطالُ أمنه فحسب، وإنَّما تطال معتقده الدينيّ ومنهجه الإسلامي، وتقرير مصيره بشكل دائم، إلَّا أنّ هذه المؤامرات والمكائد كانت تحاك بسرية تامة في ليال دامسة الظلام، أمَّا اليوم فقد أذنَ لها أصحابُها ببزوغ فجرها بشكل علني على غير استحياء من المجتمع الدوليّ الذي هو واللإنسانية صنوان، فقد أماطوا اللثام عن وجوههم المكفهرة الخبيثة.فقد صرح مسؤولٌ إيرانيّ رفيع المستوى بتشكيل جيوش شعبية في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن تبلغ أعدادهم أضعاف حزب الله في لبنان، يأتي هذا التصريح بالتزامن مع مذكرة تفاهم توقعها طهران مع بغداد قوات الجيش العراقيّ.فإيران سعتْ ومازالت تسعى إلى تشكيل قوة ضاربة لها في دول المنطقة ولا سيما سوريا والعراق، فقد قامت بمدّ ذراع وجناح عسكري لها في سوريا مستقلّ عن النظام السوري بكل قراراته وتحركاته، فهو يملك الصلاحية المطلقة بتجاوز القانون والنظام إن تعارض مع أهدافه التي ينبغي أن يحققها في أرضنا، وهذا ما أدلى به علي لاريجاني بقوله: لقد شكلنا قوة ردع في سوريا والعراق واليمن تحفظ أمننا.وهنا يأتي التساؤل متى شكَّل هذه القوة، ومن هيَّأ له الظروف المناسبة ورتب له الأسباب حتى تتبلور هذه القوة العسكرية وتتجسد على شكل ميليشيات طائفية تحمل شعارات بغيضة ترسخ الحقد وتزيد فتيل الأزمة الأوار من جديد.والعجب العجاب يأتي في المقابل من الطرف الآخر من المعارضين الثوريين الذين نراهم قد فترت همتهم، وتقهقرت أحوالهم، حتى نكاد لا نسمع إلَّا الندب والشكوى من الواقع والإمكانات، على حين يهرع أولئك الطائفيون الحاقدون إلى تشكيل جيوش شعبية في منطقتنا غير مبالين بأعراف دولية ولا أنظمة حكومية؛ وذلك تعبيراً منهم عن انتمائهم الحقيقي لِمَا يعتقدون به وإن كان باطلاً، وكذلك تعبيراً عن تطلعهم لظروف استثنائية يمكن استغلالها واستثمارها لتحقيق مآربهم التي لم يستطيعوا أن يحققوها أيام السلم والرخاء.أمَّا المعارضون فإنَّهم يعيشون مشكلة لا تتمثل في فقر الإمكانات المتواضعة المادية والروحية، وإنَّما في الافتقار إلى النظام والتنظيم فيما بين صفوفهم وتوحدهم، الأقدر على توظيف ما لديها من إمكانات.فالمعارضة أعداداً هائلة من الشباب الذين لم توظف قدراتهم بعد في الجناح العسكري أو السياسي أو الاجتماعي، كما أنَّها تمتلك المنهج والعقيدة الإسلامية الصحيحة القادرة على توحيد أفكارهم وأهدافهم علىالسواء، فضلاً عن أنَّهم يمتلكون العقيدة الجهادية التي تجعل عزة المسلم من عزة الله سبحانه وتعالى، وعزة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” فهذه العقيدة الجهادية تدفعهم إلى إمامة الدنيا وقيادة العالمين بالحق. غير أنّ المعارضين يعانون مشكلة ضعف الانتماء الفكري والسلوكي لما ينبغي أن يعتقدوا به، وبالتأكيد نحن لا نريد أيضاً النقيض من ذلك، وهو الفكر القاصر المتشدِّد الذي لا ينظر بعين التكامل والشمولية وهو بحسب ظنه مخلصٌ لمعتقده وقضيته، فيقوم على إقصاء الآخر.كما أنَّهم يعيشون هدم إدراكهم للخطر المحدق بالمنطقة ككل، إنْ لم يتأهبوا ويستعدوا لمواجهته بكلّ ما يملكون من قوة، وعليهم أن يتسلحوا برؤية متفحصة للأمس والحاضر، ويرون المستقبل رؤية حقيقية بناءً على المقدمات والتوقعات.ولعلَّ الشاعر إبراهيم طوقان قد استشرف المستقبل برؤية ثاقبة تنبِّه العرب المتأصلة في العروبة على خطر قادم لا محالة حيث يقول:أمامـك أيهـا الـعـربيّ يـومٌ تشيب لهوله سُود النواصيوأنت كما عهدتك لا تبالي بغير مظاهر العبث الرِّخاصِمصيرك بات يلمسه الأداني وسار حديثه بين الأقاصيلنا خصمان ذو حول وطول وآخرُ ذو احتيال واقتناصتواصَوا بينهم فأتى وبالاً وإذلالاً على ذاك التواصيمَناهج للإبادة واضحاتٌ وبالحُسْنى تنفَّذ والرصاصِ