صحيح أنَّ القصف لم يَطلْ قرى “الدروز” في جبل السماق سوى مرتين خلال سبع سنوات من الحرب، إلا أنَّ الواقع المعيشي فيها يزداد سوءًا يومًا بعد يوم بسبب غياب الخدمات، حيث يعاني السكان من مشاكل كثيرة أبرزها انعدام المياه ونقص في الكوادر التعليمية والخدمات الصحية، علمًا أنَّ هذه القرى شهدت عدة تحولات مهمة خلال فترة الثورة، فمنذ بدايتها كان لهم دور بارز في إيواء ثوار المناطق المجاورة لهم (كفر تخاريم، وحارم، وغيرها من البلدات المجاورة) ومازالت هذه القرى تعتبر ملاذًا آمنًا لكثير من المهجرين والنازحين إليها.
(بنابل، قلب لوزة، بشندلنتي، كفر كيلا، كفر مارس، حلله، تلتيتا، كوكو، بشندلايا) قرى جبل السماق التي تتبع إداريًا لمنطقة “حارم” شمال سورية، يسكنها أكثر من عشرة آلاف نسمة غالبيتهم من الطائفة الدرزية، وهي حاليًا تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، يشرف على إدارة الشؤون المدنية في هذه القرى “مجلس الجبل الموحد” في كفر مارس دون أي تدخل من قبل الهيئة حسب ما أفاد “عبدالسلام قرمو” رئيس المجلس لصحيفة حبر.
عادات وتقاليد الدروز، والزي الشعبي
المجتمع “الدرزي” معتدل ومحافظ، حاله كحال باقي المجتمعات السنية المجاورة، إلا أنَّ لهم عادات وتقاليد مختلفة في قضايا الزواج والطلاق، فالفرد الدرزي لا يمكنه الزواج سوى من الملة (درزي أو درزية) ولا حتى الطلاق، وذلك حفاظًا على أصولهم العربية.
كما يتصفون بالكرم وحسن الضيافة، وتربطهم علاقات تفاهم وانسجام مع النازحين لقراهم.
يرتدي نساء الطائفة الدرزية زيًا أسود، أمَّا الفتيات فقد ارتدين الحجاب بعد دخول هيئة تحرير الشام لقراهم وأثوابًا طويلة ملونة، والرجال من كبار السن مازالوا يرتدون السروال الأسود والقمباز والعقال، إضافة لاهتمامهم بتربية الشوارب التي تدل على العزة والكرامة، ويعتمدون في عيشهم على إنتاج مواشيهم من (أغنام، بقر، ماعز) وبعض ما يملكونه من أشجار الزيتون المبعثرة بين الصخور الجبلية.
واقع خدمي سيء في قرى جبل السماق.
تحدث رئيس مكتب التعليم في المجلس الموحد “عبد القادر مسطو” لصحيفة حبر عن واقع التعليم في هذه القرى قائلًا: “يوجد في قرى الجبل ثماني مدارس ابتدائية، وثلاث مدارس إعدادية، وعدد الطلاب في كل المدراس 1200 طالبا، إلا أنَّ هذه المدارس تعاني من نقص كبير في الكادر التعليمي وغياب لمستلزمات التعليم من كتب ومقاعد وسبورات وتدفئة وصيانة، فتربية حماة عاجزة عن إمدادهم بالمعلمين و المستلزمات؛ لأنَّ كافة المدارس فيها تتبع للنظام، لذلك كان لابدَّ من الاستعانة بمعلمين متطوعين معظمهم من النازحين المقيمين في القرى؛ لأنَّ المثقفين من أهالي الجبل “الدروز” هاجروا إلى لبنان ودمشق.
وبالتواصل مع نائب وزير التربية “أ. جمال شحود” أكد لحبر أنَّه تمَّ التواصل مع مجمع حارم التابع للتربية الحرة لإمدادهم بمدرسين لسدِّ الشواغر في المدارس؛ ذلك لأنَّ العلم والتعليم لا يقتصر على طائفة معينة.
وناشد رئيس المجلس المحلي في الجبل الموحد “عبدالسلام قرمو” الجهات المعنية في قطاع التربية العمل على تقديم المساعدة لإعمار صفين إضافيين في مدرسة كفركيلا حيث تجاوز عدد الطلاب في كل صف 60 طالباً.
واقع صحي متدهور
الواقع الصحي ليس بأفضل حال عن غيره من الخدمات، فلا يوجد مستشفيات ومستوصفات، أو حتى نقاط طبية في كافة قرى جبل السماق، الأمر ما يجبر المرضى على التوجه للعيادات والمشافي في القرى المجاورة بالأخص في كفر تخاريم وقورقانيا المحاذيتين لقرى الدروز، ممَّا يجعل العلاج أكثر كلفة، فأجور النقل تتجاوز 3000 ليرة ماعدا أجر الطبيب وثمن الدواء.
“حسين البكور” رئيس لجنة الإغاثة في مجلس الجبل أكد أنَّ الأمراض تزداد في فصلي الصيف والشتاء، ففي الصيف تكثر الالتهابات المعوية واللاشمانيا ولدغات الأفاعي والعقارب، وسببها النقص في كافة الخدمات أولها المياه غير الصالحة للشرب، وتراكم القمامة، وعدم توفر المبيدات الحشرية، أمَّا شتاء فتزداد أمراض الصدر والقصبات والانفلونزا بسبب البرد الشديد في الجبل وعدم قدرة الأهالي على تأمين الحطب أو الوقود في ظل غياب شبه كامل للمنظمات والجمعيات.
حول الوضع الصحي المتدهور في تلك القرى، أكَّد مسؤول الرعاية الصحية في إدلب د.أنس الدغيم أنَّ الإمكانيات المتواضعة في القطاع الصحي لا تسمح بتغطية كافة القرى، ويوجد مراكز طبية ومشافٍ في القرى المجاورة.
كما تعاني قرى جبل السماق من نقص حاد في مياه الشرب منذ 2012 حيث تمَّ سرقة مضخات المياه من قبل لصوص، الأمر الذي يدفع الأهالي لتعبئة المياه عن طريق الصهاريج، وقد يصل سعر الصهريج إلى6000 آلاف ليرة حسب ما أشار “قرمو”.
بعض أبناء سكان كنيسة “قلب لوزة” تحّدث عن سماعه بنية الهيئة تحويل الكنيسة إلى جامع، إلا أنها حاليًا تحولت لحظيرة للمواشي ومستودعًا للأعلاف، وبالتواصل مع د.أنس زيدان مدير الآثار والمتاحف في إدلب قال: “إنّ هذ التحول هو أهون من تكسير حجارتها أو سرقتها.”
وعودٌ كثيرة من قبل المسؤولين في كافة القطاعات الخدمية بمدِّ يد العون لسكان تلك القرى، إلا أنَّ معظمها بقيت حبراً على ورق حسب ما أكَّد “قرمو”.
قرى جبل السماق كانت قبل الثورة ومازالت مَنسية، فهل كان انتماؤهم للطائفة “الدرزية” سببًا في زيادة معاناتهم خاصة بعد سيطرة الفصائل الإسلامية على معظم قرى وبلدات ريف إدلب؟!