يكاد المشهد العسكرية والجانب العملياتي يسيطر على معظم تفكير الهيئات والمؤسسات الثورية في المجتمع، وقلما نجد مؤسسة ما تصدّت للجانب الاقتصادي تخطيطاً استراتيجياً وتنفيذاً على مستوى دولة المستقبل ومستوى قوة المرحلة الراهنة، فالاقتصاد يعتبر القوة الرئيسة لأي نصر عسكري وضامناً لتماسك المجتمع وسلامته من الانهيار وخاصة في فترات الحرب.
أمَّا المنظمات فمعظم مشاريعها هي مشاريع ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع، وتعتمد على استراتيجية ترسيخ طلب الحاجة والاستسلام لها وعدم الإنتاج الذاتي باستثناء منظمة إيلاف التي دعمت مؤخراً المشروع الزراعي الذي استهدف ما يقارب 700 عائلة مستفيدة من قرى سهل الغاب في سهل الغاب وخان شيخون في ريفي حماة وإدلب بحسب تقرير قناة الجزيرة.
بينما يمتلك المجتمع لدينا قوة اقتصادية نوعا ما، أهمها تلك التي تعتمد على الاستثمار الحر والمنافسة التجارية، كما تتمتع مناطقنا المحررة بسعة أراضيها الزراعية وبخصوبة تربتها ومحصولها الوفير من مختلف أنواع الزراعات، ممَّا يعطي السوق الداخلي زخماً كبيراً في الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى إمكانية تصدير الفائض وبكميات جيدة، ومن أبرز تلك المحاصيل (الحبوب بأنواعها).
ما يزيد النمو الاقتصادي في أي مجتمع هو تفادي معوقات ذلك النمو، ولا شكَّ أنَّ هناك معوقات عدة تعترض اقتصادنا المحلي الذي نحن أحوج ما نحتاج إليه إلى وضع خطط استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي والنمائي للشعب الثائر، ومن أبرزها افتقار مناطقنا المحررة إلى الثروات الباطنية وأهمها النفط الذي يعدُّ المقوّم الأساسي لأي حركة تجارية نقل -طاقة –أجور.
وكذلك انعدام الصناعات التكنولوجية أو تطويرها، ممَّا يدفع مجتمعنا إلى استيرادها وتطويرها والاستفادة من خارج مجتمعنا، التي بدورها تعود بسلبية كبيرة على السوق الداخلي والخارجي.
والجدير بالذكر أنَّ منطقتنا تفتقر إلى منفذ بحري نتيجة دفع السياسيات الإقليمية والدولية لتجميع الثوار في منطقة خالية من أي ميزات في المواقع الجغرافية الاستراتيجية على الصعيد التجاري، لإضعاف الحركة التجارية التي تعتمد على المنافذ البحرية وانعدام صفقات الاستيراد أو التصدير ممَّا يفيض من منتوجاتنا الزراعية أو الصناعات المحلية، وبخاصة أنَّ المنفذ البري الوحيد لدينا مع تركيا كثيراً ما يعاني من شلل سياسي يتحكم بفتحه وإغلاقه متى ما أوزع إليه في السياسية الخارجية.
كما أنَّ هجرة اليد العاملة الشابة إلى المناطق المجاورة سواء مناطق النظام أو الهجرة غير الشرعية إلى تركيا عبر الحدود بسبب قلة الأجور داخل مجتمعنا مع وجود رأس المال القوي القادر على تعزيز الحركة التجارية عند العديد من رجالات الأعمال الذين يمسكون بزمام الحركة التجارية في مناطقنا المحررة تشكل عائقاً صارخاً في وجه نماء اقتصادنا ورفده بحيوية المستثمرين المحليين الصغار قبل الكبار.
ولتعزيز النمو الاقتصادي لدينا لابدَّ من:
– إيجاد مورد نفطي وطاقة بديلة وبدون تخوف من توقف ذلك الإمداد عبر الالتفات إلى الجانب الاقتصادي المهمل من خلال معرفة نقاط القوة والضعف لدينا، والبحث عن منافذ برية جديدة تضمن لنا تبادلاً تجارياً يحقق لنا أمننا الاقتصادي بعيداً عن أي تهديد أو خطر أو ابتزاز محتمل.
– تهيئة بيئة مناسبة للتنافس التجاري المشروع من خلال وضع أسس تحظى بترحيب داخلي وتأمين مبدأ تكافؤ الفرص لجميع التجار وعدم اعتماد مبدأ الاقصاء أو الاحتكار.
– افتتاح معامل ومصانع قادرة على تصنيع المواد الأولية لتجنب استيراد تلك المواد من الخارج ممَّا يساهم في تعزيز الأرباح وتحريك السوق الداخلي من عدة جوانب.
– العمل على تطوير مشاريع الطاقة البديلة وبتكاليف مقبولة بتشجيع المستثمر على الاعتماد عليها، إما ضمن عمله أو الاستثمار عن طريقها أو العمل على إيجاد اتفاقية مع الدول المجاورة الذي يسمح باستيراد الطاقة من خلال عقود واتفاقيات برعاية دولية.
– لا تتحقق الخطوات السابقة إلا بفتح علاقات جيدة مع الجارة لمناطقنا (تركيا) للسماح بتصدير المنتجات السورية والمحاصيل الزراعية لطرحها في الأسواق الخارجية وبجودة عالمية وبأسعار منافسة حتى تلك التي تباع في الأسواق التركية.
وبدهياً أنَّ كلَّ العوامل السابقة تسمح بدخول رأس مال كبير جداً، كما تشجع على عودة اليد العاملة والخبرات إلى الداخل السوري، نتيجة لحركة النمو التي ستشهدها المنطقة في حال افتتاح المعامل والمصانع والعمل على التطوير بكافة الجوانب.