باتتِ المناطق المحررة في وضعٍ لا تُحسد عليه بعد الاقتتال الداخلي وغياب القرار السياسي الحازم الذي يستطيع مجاراة الحنكة الروسية والأمريكية والإيرانية في المؤتمرات التي تقام على شرف الوضع السوري، لكن الأمر الإيجابي هو أنَّنا اكتسبنا خبرة سياسية في الأمور الداخلية، فقد حاولنا إيقاف اقتتالنا بمنهجيةٍ سياسية ودعونا لإيقاف إطلاق النار بين الفصائل المتصارعة والجلوس على طاولة الحوار رغم أنَّ فتوى البعض دعت لسفك الدماء كأنَّها فيتو لا فتوى.
واقتصرتِ السياسة على إقامة مؤتمراتٍ لإيقاف حروبنا الثورية الثورية، وتشكيل حكومات مدنية خاصة بطرف معين، ونبذ ما أنجزته الأطراف الأخرى، ومحاولة تكريس كلِّ الموارد والمؤسسات لخدمة مشروع كلِّ طرف، كأنَّ خطر النظام زال، وحدود المناطق المحررة باتت آمنة، ولم يبقَ إلا أن نتصارع سوياً، وذلك دون الالتفات للجانب العسكري ومحاولة حماية المناطق المحررة من خطر النظام وقواته التي تقف على الأبواب.
الضغوط التي تمارس على جامعة حلب لتحويلها إمَّا إلى جامعة خاصة لا تتبع لأي حكومة، أو ضمها للحكومة المحدثة في إدلب يوضح معنى الصراع المؤسساتي بصورة واضحة فاضحة، وإلى جانب الصراع على المؤسسات التعليمية وتبعيتها أظهرَ الاقتتال الأخير الشرخ الموجود في عمق الثورة السورية، فقد عجزت الثورة طوال سنواتها السبع الماضية عن تقديم أي نظام أو شخص بديل عن الأسد، فلا استراتيجية موحدة ولا قرار موحد، وتكتفي الفصائل العسكرية بترقب تقدم النظام مع التقليل من شأن القرار السياسي والاعتماد على الجانب العسكري، كأنَّ الثورة تسيطر على مناطق واسعة وتمتلك قوة عسكرية أقوى من الترسانة الروسية الإيرانية، لذلك سيحاول النظام وحلفاؤه بشتى الطرق إدخال داعش إلى المناطق المحررة أو إقناع المجتمع الدولي بضرورة شنِّ حملات عسكرية على المناطق المحررة.
المجازر التي تحدث والحصار المُمارس على الغوطة الشرقية ومحاولات التقدم التي يشنها النظام يومياً على المناطق المحررة كلُّ ذلك يُنذر ببداية العاصفة، وعندها سيخسر المتصارعون السلطة التي يتنافسون عليها مع إخوانهم، ولن تنفع جميع القرارات العسكرية والسياسية في حماية متر واحد أو شخص واحد.
لو اعتبرنا أنَّ الاقتتال يخدم الثورة السورية، فلماذا تحاول روسيا منع أي جهد مدني لإيقافه؟ بالتأكيد لأنَّه يخدم النظام في الدرجة الأولى، ويدمر القوة العسكرية ويمهد لهجوم قادم على المناطق المحررة، وكل من يؤيِّد الاقتتال بين الفصائل ويتّبع سياسة إقصاء الآخر فهو يضع نفسه في عداد الطابور الخامس الذي يفكك القرار الثوري في الداخل السوري.
إنَّ انحراف البوصلة الثورية عن النظام المجرم وتشتتها سيجر الجميع إلى فخ سياسي خطير متبوع بانكسار عسكري، ولا جَرَمَ أنَّ النتائج ستكون كارثية ومدمرة، لذلك لا بدَّ من توجيه كلِّ الجهود وتوظيفها في مقارعة النظام وأذنابه، فالطريق مازال طويلاً للحديث عن سلطة وحكومة، إذ لا بدَّ من توفير الأمن داخل المناطق المحررة قبل أي شيء آخر، وقبل أي عمل عسكري لابدَّ من توفير الخدمات والنهوض بالمؤسسات وكل جوانب المعيشة وترسيخ دعائم المدنية ورصِّ الصفوف العسكرية للذود عن حمى المناطق المحررة من العدو الأول …. نظام الأسد.