عندما يترك المرء كلَّ ما عمل من أجله طوال سنوات مضت، عندما يعلم يقيناً أنَّ تعبه وجهده راح هباءً كأن لم يكن، وأخيراً عندما يضيع بين أناسٍ لم يعهد وجوههم، وأرضٍ لم تمسها قدماه قبلاً، فاعلم أنَّ هذا حال المهجرين الذين تركوا كلَّ شيء عندما خرجوا مكرهين من أرضهم حتى ذكرياتهم… كيف لك أن تتعايش في محيط جديد تغيَّر فيه كلُّ ما عهدته جذرياً؟
ربَّما تقول: لستُ مضطراً للبحث عن إجابة، لأنَّ محيطك لم يتغير، ولا تفكر أن تغيره بإرادتك تحت أي ظرف من الظروف.
لا بدَّ أنَّهم كانوا يقولون مثلك، بل كانوا يصرُّون على البقاء في منازلهم مقاومين الحصار والجوع والقصف، لكن متى كان الإنسان يتحكم بما يريد ويشاء؟! لقد ولَّدت الحرب الدائرة إخراج الآلاف المؤلفة من منازلهم مرغمين، لم يكن النزوح اختيارهم، لكنَّه خيارهم الوحيد، فللحرب قوانينها التي يفرضها المحتل.
الآلاف من النازحين هجِّروا قسراً من ديارهم وعانوا من شدة وحسرة النزوح، يجلسون في منازلهم، يعانون من ألم الفقر والجوع أيضاً، حيت لا عمل ولا مورد يعيشون من ورائه، سوى القليل ممَّا يصلهم من المنظمات الإنسانية.
وجد القليل منهم عملاً جيداً يعيل به أبناءه، وبقي الكثير منهم بلا عمل ولا دخل يسدُّون به رمقهم أو يؤمِّنوا به أدنى المستلزمات الحياتية.
إنَّ صعوبة إيجاد العمل بالنسبة إلى النازحين ليست بسبب تكاسلهم عن البحث أو قلة خبرتهم، فمنهم الطبيب والمهندس، ومنهم الخياط والمعلم وغيرهم الكثير ممَّن
يملكون المؤهلات الجيدة للحصول على عمل، إنَّما السبب وراء بطالتهم متعدد منه استغلالهم من قبل أصحاب المتاجر والتجار الذين يوظفونهم براتب زهيد مستغلين حاجتهم إلى العمل والرضى بالأجر القليل لتأمين قوتهم، ومنه ظروف الحرب ذاتها التي كانت سبب نزوحهم من قبل، فتوقفت الكثير من الأعمال بسببها، فعلى سبيل المثال أدَّى قصف المشافي والمدارس إلى توقف الكثير من الأطباء والممرضين والمدرسين عن مزاولة مهنهم.
وهنالك أسباب أخرى تقف عائقاً بوجه النازح، كعدم تقبل كافة سكان المنطقة لهم، وذلك بسبب اعتقادهم أنَّهم يأخذون مكان من هم أحق منهم سواء كان بالعمل أو السكن أو غيره…
ما الذي ينتظره الإنسان مقابل مساعدة أخيه الإنسان؟! إنَّ عزة النفس تغني الكثيرين عن المسالة رغم أنَّ بطونهم خاوية وقلوبهم منكسرة تنتظر منَّا أن نجبرها ونرفع المعنويات إلى أعلى مستوياتها من أجل العيش رغم الحرب بمحبة وتفانٍ.
ليعلم الجميع أنَّنا شعبٌ نحبُّ الخير لبعضنا البعض رغم أنف كلِّ من يظنُّ عكس ذلك.