(أفكار هذا المقال مقتبسة من محاضرة للأستاذ: حمود الشيخ كياري، ألقاها في مسجد عمر بن الخطاب في مدينة الباب)
ما يحدث اليوم من تشابك سياسي على المستويين الإقليمي والدولي هو امتداد لنتائج الحرب العالمية الأولى، ففي هذه الحرب سقطت الخلافة العثمانية، وتفككت الرابطة الإسلامية الواسعة، لصالح الروابط القومية الضيقة، ونشأت الأنظمة الوظيفية التابعة للدول المستخربة، لأنَّ الاستعمار يحمل مفهوما إيجابيا يناقض ما صنعه الأوربيون، وتم توقيع اتفاقية لوزان التي أخرجت تركيا من فضائها الإسلامي الطبيعي، لتدخلها حظيرة الدول الأوروبية.
سؤال يتردد بكثرة، هل الربيع العربي سببه الدول المستخربة أو الماسونية العالمية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعي أنَّ الدول الغربية سبب حالة الاحتقان في العالم العربي الذي ولّد ثورات الربيع العربي، فهي من قسمت البلدان بعد أن كانت بلداً واحداً، وهي من زرعت الكيان الصهيوني، وهي من سلطت الأنظمة العميلة المجرمة على رقاب الشعوب العربية لتسومها سوء العذاب.
لذلك كانت الدول الغربية سبباً بقيام الربيع العربي، لكن هذا لا يعني أنَّ الربيع العربي يخدم مصلحة الدول الغربية، بل إجهاض هذا الربيع هو ما يخدم الغرب، ودليل ذلك تشجيع الدول الغربية للثورات المضادة، كالسيسي وحفتر وقسد.
ولو أنَّ الربيع العربي يخدم المصلحة الأوروبية لمَّا بدأ في دولتين تملكان نظامين من أشدِّ الأنظمة ولاءً وخدمةً للغرب، وهما تونس ومصر.
الدول الغربية تعرف أنَّها لا تستطيع منع الثورات الشعبية، لكنَّها تحاول الالتفاف عليها، وتطويعها، واستثمار أوضاع الشرق الأوسط لصالحها.
مراحل الثورة السورية:
مرَّت الثورة السورية بمرحلتين أساسيتين:
الأولى: الثورة السلمية، وتمثلت بالمظاهرات والاعتصامات.
الثانية: الثورة المسلحة، وهدفها الأول حماية الثورة السلمية وثوارها، وتحقيق مطالب الثورة العادلة بالحرية والكرامة، وكانت ردَّ فعل طبيعي على همجية النظام وإجرامه، فهو لا يفهم إلا بلغة العنف.
وكانت نقطة نهاية الطور الأول، وبداية الثاني، دخول الجيش الحر لمدينة حلب منتصف عام 2012.
ما هي أهداف أهم الدول الفاعلة في الملف السوري؟
أميركا تهدف إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر تقسيم سورية، وتريد أيضا السيطرة على الثروات والموارد في سورية، وإقامة قواعد عسكرية فيها.
روسيا تهدف عبر سورية الوصول إلى العالمية من جديد، وإقامة قواعد عسكرية بحرية في المياه الدافئة (البحر المتوسط)، وإبقاء سورية موحدة تحت نفوذها.
إيران تريد إنشاء خط تجاري إستراتيجي تسيطر عليه من طهران للمتوسط، وإكمال مشروع الهلال الشيعي.
تركيا تريد حماية أمنها القومي ومنع إنشاء دويلة كردية على حدودها، واستعادة مجدها القديم الذي يؤهلها لتصعد من جديد على المسرح الدولي.
أهم الوقفات في مسيرة الثورة السورية:
2011 كان عام الثورة السلمية.
2012 بداية الثورة المسلحة والتحرير.
2013 داعش تنقذ الأسد من السقوط.
2014 تدخل إيران العلني وبداية زحفها نحو حلب.
2015 تدخل روسيا العلني.
2016 دخول تركيا المباشر وسقوط حلب بيد النظام.
2017 دخول أميركا المباشر.
2018 يتوقع أن يكون نهاية داعش بعد أن أتمت مهمتها بمحاربة الثورة.
ويجب التنويه أنَّ كلَّ الدول التي تدخلت في سورية بشكل مباشر، تدخلت بذريعة داعش وأخواتها، ويتوقع أن تنتهي مهمة داعش وما شابهها من تشكيلات عام 2018، لتبدأ بعدها مرحلة تبلور مشاريع الدول في سورية.
أين نحن من هذا التشابك الدولي؟
للأسف ما زال الثوار هم الحلقة الأضعف بالمشهد السياسي السوري، لعدة عوامل، كعدم اجتماعهم على مشروع سياسي واحد، وجسم جامع للثورة يمثل أبناءها ويرفع أهدافها، ولتغييب الكفاءات والكوادر لصالح الزعامات المناطقية والعشائرية، أو القيادات التقليدية التي انتهت صلاحيتها من عام 2013.
ما هو واجبنا كثوار؟
- الحفاظ على ثوابت الثورة السورية، وهوية شعبها.
- الإصلاح ومحاربة المفسدين، والمعرقلين للمصلحة العامة للثورة، سواءً من تمسح منهم بالجهاديين، أو المحسوبين على الجيش الحر.
- الفهم الحقيقي للسياسة التي تقوم على المصالح لا العواطف، وتحييد الخصوم قدر الإمكان، وعدم الذوبان بمشاريع أو مصالح الحليف.
- ضبط السلاح، عبر حصره بمؤسسة ثورية رسمية.
الثورة السورية هي الملف الأعقد منذ الحرب العالمية الثانية، ويشبه كثيرا الحرب الكورية في بداية خمسينيات القرن الماضي، حين أصبحت كوريا ملعباً لتصفية الخلافات بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، خاصة أنَّ الحكومات الوظيفية العميلة تريد أن تربي شعوبها بما حصل للشعب السوري، حتى لا تفكر هذه الشعوب بالثورة على طغاتها وجلاديها، وعلينا ألا نيأس أو نفقد إرادة القتال والنصر، وأن نبني خطاباً متوازناً بجناحين عسكري وسياسي، نستطيع منه الخروج من الزاوية التي حصرنا أنفسنا بها.