قبل الثورة كنت أعرف علاقة زواج ناجحة تربط بين شاب لا يقرأ ولا يكتب ويعمل جزاراً في حي (البلاط) أحد أحياء حلب القديمة، وبين ابنة جيرانه التي أحبته من كلِّ قلبها، وخلافاً لعادات أهل حلب في التوافق الطبقي والثقافي بين الزوجين نجح الزواج وعاش الأولاد في ظلِّ والدين أحدهما يهتم باللحم غذاء الجسم، والآخر يهتم بالعلم غذاء العقل.
يبدو الحبُّ في هذه الحالة هو الداعم الأساسي لنجاح علاقة تربط بين زوجين مختلفين تماماً في البعد المعرفي، مع أنَّ تقارب المستوى الثقافي بين أي طرفين عاملاً مهماً جداً لنجاح العلاقة وضمان استمرارها، لكن يبدو الحبُّ بقوانينه استثناء يطفو على سطح القاعدة.
مرَّ ما يزيد عن ثمانية أعوام والتقيت بحالة مشابهة في بلدة (كفرناها) الواقعة في الريف الغربي المحرر لحلب، الزوجة نازحة من مدينة حمص، والزوج من سكان الريف الحمصي، وتربطهما صلة قرابة وقد جمعهما الحبُّ في بيت واحد متجاوزا الفارق المعرفي مرة أخرى.
بدأ الزوج يكتب حروفه الأولى بمساعدة زوجته التي تدرس في كلية الحقوق، وفي البيت يتحاور الزوجان كتابة عبر رسائل (الواتس) لتحسين صياغة الكلمات لدى الزوج، ويتبادل الزوجان مشاعر حبٍّ استثنائية تعوض كلَّ طرف منهما ما ينقصه؛ فالزوج سند قوي لزوجته في ظلِّ ظروف الثورة القاهرة، والزوجة معلمة وفية تمزج الحروف بالحبِّ لتعلم زوجها أبجدية اللغة والحياة معاً.
أثناء عملي كمدرب تنمية بشرية التقيت بالزوجين كلٌّ على حدا دون أن أعرف بقصة الحبِّ التي جمعتهما، فكلاهما يعمل في المنظمة نفسها مع الاختلاف في المنصب الوظيفي الذي يتناسب مع شهادة الزوجة وخبرة الزوج، يخرجان من البيت في التوقيت نفسه ويعودان معاً بصحبة ابنتهما الصغيرة التي لم تكمل عامها الأول بعد.
صورة جديدة للحبِّ والتعايش ربَّما تبدو غير مألوفة في مجتمعنا وهي تكسر النمط التقليدي السائد، فتقبل الآخر ورؤية الجانب الإيجابي المشرق في شخصيته كان كافياً لنجاح علاقة طيبة بين زوجين من المفترض أن تدوم طوال حياتهما.
فالزوجة المتعلمة ترى في شهامة زوجها وطيبة قلبه كنزا ثمينا لا ينقص من قيمته شيء ولو كان الزوج أميًّا.
والزوج بالمقابل يرى في علم زوجته منارة تضيء حياتهما المشتركة وهذه طبعة جديدة للتكامل والظهور المميز في حياة لا تخلو من عقبات ولا تصفو لنا كما نشتهي.
وإذا كان وراء كلِّ رجل عظيم امرأة، فلمَ لا يكون العكس أيضاً صحيحاً؟! فوراء كلِّ امرأة عظيمة رجلٌ يمنحها الحبَّ والثقة والاهتمام حتى تتفوق عليه في جانب ما فتغدو نهراً منساباً ويغدو هو نبعها.