هل من المعقول أن تشهد المنطقة حرباً جويةً بين إسرائيل وإيران أعظم قوتين في المنطقة؟ يبدو أنَّ النشاط النووي الإيراني أقلق إسرائيل التي لا ترغب بنشأة كيانٍ يوازيها في القوة ويسحب منها السيطرة على دول الجوار لا سيما مع امتلاك إيران للسلاح النووي المدجَّج بترسانة من الطائرات الجوية التي تقارب القوة الإسرائيلية عدداً وعتاداً.
لكنَّ المصالح الإيرانية المشتركة بين إسرائيل وإيران تحُول دون حدوث أيِّ حرب تزعزع العلاقات بينهما، ويبدو أن بؤرة الصراع هذه المرة هي سوريا مع رغبة إيران بإقامة قواعد عسكرية فيها ورفض إسرائيل بحجة حماية أمنها وحدودها. فهل من الممكن أن تردَّ إيران باستهداف المستوطنات الإسرائيلية؟
إنَّ دخول إيران إلى جانب نظام الأسد في الحرب السورية لن يكون بلا مقابل بعد الخسارة البشرية والعسكرية التي تكبّدتها إيران في الحرب، لذلك فإن إيران لن تقبل بالخروج من الحرب دون تحقيق أدنى رغباتها بإنشاء طريق يصل إيران بالعراق وسوريا، إضافة إلى رغبة إيران بإنشاء إمبراطورية فارسية تسيطر على العواصم العربية لاسيما دمشق فوجود إسرائيل بالقرب منها سيكون خطراً على مشروعاتها التقسيمية والاستعمارية في المنطقة.
إسرائيل في المقابل لن تقبل باستمرار التوسع الإيراني الذي اقترب من أراضيها ووصل إلى حدودها مع سوريا وإنَّ إقامة أيِّ قواعد لإيران أو أي دولة مصنفة _زوراً _ ضمن دول المقاومة سيكون أيضاً خطراً يهدّد أمن المستوطنات الإسرائيلية التي تنعم بالأمان وسط العلاقات القوية مع النظام السوري ونظرية الاحتفاظ بحق الرد عقب كلِّ هجومٍ تنفذه إسرائيل على الأراضي السورية، لذلك فإنّ وجود قواعد إيرانية من الممكن أن يهدّد أمن الطائرات الإسرائيلية التي تنفذ غاراتٍ في سوريا من حين لآخر دون أن يعترضها أحد.
وتبدو القوة العسكرية متقاربة قليلاً مع تفوقٍ إسرائيلي في عدد المدرَّعات والصواريخ وتفوق إيراني بعدد الطائرات والزوارق البحرية، لذلك فإنَّ كلاً منهما يشكّل خطراً على مصالح الآخر هذا هو الظاهر ولكن مع الغوص قليلاً في “العلاقات الإسرانية” نجد مصالح مشتركة عظيمة تحوِّلها إلى حليفين كبيرين في المنطقة، فمثلاً توجد أكثر من مئتي شركة إسرائيلية تقيم علاقاتٍ استثمارية مع إيران هذا من الناحية الاقتصادية، أما من الناحية الدينية فإنَّ عدداً لا بأس به من الحاخامات موجودٌ في إيران ويوجه اليهود الإيرانيين داخل إسرائيل، وسياسياً فإن إيران وإسرائيل وجهان لعملةٍ استعمارية احتلالية واحدة تسعى لتشكيل قوة في الشرق الأوسط حتى لو قتلت وهجرت الملايين من الناس ناهيك أن استلام إيران لخط المقاومة يريح إسرائيل من الداخل، لذلك فإن كل الشعارات والتصريحات ما هي إلا عبارات خلبية تجترها إيران وإسرائيل على مدى العقود لتغييب الأذهان والعقول التي تؤمن بوجود صراع إيراني إسرائيلي والحقيقة أن إسرائيل وإيران حلف سري واحد موجه من الغرف الروسية والأمريكية لزعزعة الأمن داخل الدول العربية.
إنَّ حجم هذه المصالحة المتبادلة والقدرة على الاتفاق أو الاختلاف فيما بينهما، هو ما سيحدد شكل الحلِّ القادم في سوريا، مع التركيز جداً أنّ إسرائيل على الرغم من كل ما سبق لا يمكنها أن تمنح إيران ثقةً كاملة ولا بد أن تتركها بعيدةً عن حدودها وتُضعف حزب الله في لبنان، وهذا ما سيجعل شكل الحل القادم مضطرباً، فإيران أخبرتِ الحليف الروسي أنها تودّ البقاء في سوريا، وإسرائيل قالت إنها لن تسمح بذلك.