10 ديسمبر 1948 اعتمدتِ الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأصدرته مُقرةً بأنَّ جميع أعضاء الأسرة البشرية لديهم كرامة متأصلة وحقوق متساوية هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، فكان لزامًا على جميع الدول الأعضاء الاعتراف بالإعلان السابق، لكن الأهم من وجهة نظر كافة الشعوب تطبيقه واقعيًا.
وبما أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة فئة من فئات المجتمع أيضًا يجب أن يكون لهم ذات الحقوق التي يتمتع بها الأسوياء ووفقًا لذلك جعلت منظمة الأمم المتحدة عام 1980 عامًا دوليًا للمعاقين واعتبروا يوم 3 ديسمبر من كل عام اليوم العالمي للمعاقين إلى جانب عدة إعلانات ومواثيق دولية تخص حقوقهم بل وتوليها اهتمامًا أكبر ظاهريًا.
“آية جبرة” مديرة مركز البيان لذوي الاهتمامات الخاصة في مدينة إدلب حاولت بشكلٍ أو بآخر الدفاع عن حقوق ذوي الاهتمامات الخاصة إيمانًا منها بأنهم أحق الناس في نيلها وأحوجهم إليها، خاصًة في سوريا التي تعيش حربًا منذ 7 سنوات أفرزت بدورها آلاف الإصابات الجسدية والإعاقات.
“إن ما دفعني لافتتاح مركزي مطلع السنة الحالية أنّ شعار الإنسانية يتجسد بكل معانيه في التعامل مع هذه الفئة من المجتمع، ورغم أن اختصاصي اللغة الإنكليزية بعيد عنهم إلا أن وجود كادر بعدد متواضع حولي لكنه مؤهل علميًا وخبرته لا تقل عن 8 سنوات شجعني أكثر لاجتياز شتى الصعوبات مهما كانت لتحقيق حلمي الوردي في تقديم شيء من حقوقهم”.
فقد احتوى المركز على 25 طفل من عمر 8 أشهر حتى 16 عام ممن لديهم إعاقات ذهنية (نقص في الذكاء عن المستوى الطبيعي)، وحسية (المعاقون سمعيًا وبصريًا) وتواصلية (ذوو عيوب النطق والتخاطب والكلام) وسلوكية (تشتت أو توحد) ومتعددو العوق من مدن وبلدات سوريّة مختلفة.
قامت المختصتان بالنطق والإعاقات الذهنية داخله –هبة كادك، بيان جبرة- بالاهتمام بهم وتقديم العلاج اللازم المباشر لهم وغير المباشر عن طريق التواصل مع عوائلهم وترتيب بعض الأمور داخل منزلهم كتأمين المكان والبيئة الطبيعية للاهتمام والحفاظ عليهم من مخاطر اجتماعية عديدة (التوعية الوقائية) لمنحهم حق الحياة والحرية في العيش.
“مايا” طفلة بعمر الورود لم تتعدَّ التاسعة من عمرها كانت تعاني من صعوبات في النطق والتعلم مما أدى إلى وضعها بمواقف محرجة أحيانًا سواء مع أخوتها داخل المنزل أو أصدقائها عندما كانوا يسخرون من كلامها، فكان المركز فسحة الأمل التي أخرجتها من ذاك الجو المتوتر عندما بدأت تتمكن من نطق الكلمات بشكلها الصحيح.
وكون المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان نصت على أن لكل شخص الحق في التعلّم سعت “جبرة” من خلال مركزها وفريقه في التربية الخاصة إلى إعطائهم حقهم في الاهتمام التعليمي والتربوي وفقًا لمناهج تربوية خاصة في محافظة إدلب وريفها.
وفي هذا الصدد قالت: “حاولنا رغم امكانياتنا المتواضعة استخدام وسائل تعليمية حديثة تجذب انتباه الأطفال كشاشة الإسقاط ومكبرات الصوت، غير أننا نعمل على تطوير مهارات كادرنا العلمية وتحديث خطتنا الفردية التربوية التي كانت نتاجًا لعدة اختبارات وممارسات عملية”.
وفي سبيل تحقيق المادة (27) القائلة بأن لكل فرد الحق بالاشتراك الحر في المجتمع الثقافي والاستمتاع بفنونه وتطبيق المادة (22) التي مقتضاها أن لكل شخص بصفته عضوًا في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية اصطحبت “جبرة” وكادرها الأطفال إلى المتحف الوطني في مدينة إدلب لتعريفهم عليه وتثقيفهم بتاريخ بلدهم وحضارته زارعًة بنفوسهم أنهم أشخاص طبيعيين وخروجهم بين الناس أمر عاديّ جدًا.
وكون للأطفال الحق في اللعب والترفيه أيضًا عقبت “جبرة” على ذلك بأنها أحضرت لهم داخل مركزهم فرقة للعروض المسرحية لاعبتهم ووزعت لهم ألعابًا وهدايا زرعت البسمة على شفاههم هذا من جهة، وأخذتهم في رحلة إلى ملعب مارسوا على عشبه الأخضر بعضًا من الألعاب الرياضية جعلتهم يشعرون بأنهم لا ينقصهم شيء كحال باقي الأطفال من جهة أخرى.
وفي محاولة لترسيخ المادة (23) الخاصة بحق كل شخص بنيل العمل، عالج المركز مشكلة شاب صغير بالغ من العمر 16 عامًا يعاني من (الصم) بعدما لجأت والدته لكادره عقب عدم اندماجه في المدارس فتمكنوا من ضبط سلوكه داخل منزله مع أفراد عائلته خاصًة والده، واختار الطفل إثر ذلك مهنة تناسبه يريح نفسيته ويمارس حقه بالعمل من خلالها إلى جانب تعلمه ترديد بعض الحروف والكلام عن طريق تعليمه بالإشارة أو حركات الشفاه، وهذا ما اعتبرته “جبرة” إنجازًا يبشّر بالأمل.
من جانب آخر تحدثت “جبرة” عن رغبتها بتسخير اختصاصها العلمي “اللغة الإنكليزية” كونها لغة دوليّة في إيصال صوت ذوي الاهتمامات الخاصة لأشخاص خارج سوريا بغرض التركيز على احتياجاتهم بدلًا من التركيز على عجزهم ولإيضاح أننا نستطيع إلغاء اعتبار الإعاقة سمة تلازم الشخص وتحويلها إلى تغيير إيجابي في حياتهم.
فقد كانت لها محاولة في الماضي تخص ما سبق ذكره ألا وهي بعثها رسالة إلى صديقتها المقربة في بريطانيا عبر البريد الالكتروني لاطلاعها على وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في الداخل السوري الخارج عن سيطرة نظام الأسد، إضافة لتعليمها أحد الأطفال في الصف الثاني مبادئ اللغة الإنكليزية حينما اكتشفت ميوله وتقبله لتعلمها، ويمكن أن يكون لها نظرة مستقبلية بهذا الموضوع.
وعلى اعتبار أنه حتى الدول المتقدمة لم تبدأ تقديم الحقوق لهذه الفئة إلا منذ عام 1982 عندما تم عقد هيئة الأمم المتحدة لمشاركة العجزة والمعوقين في الحياة العملية تأمل “جبرة” أن تكون وفرت الحد الأدنى من حقوق بعض المعوقين في محافظة إدلب التابعة لسوريا إحدى الدول النامية، حتى أنها لم تقف عند هذا الحد بل تتطلع مستقبًلا لتخطيط وتنفيذ عدة أمور تصب في إعطائهم حقهم في تأمين الغذاء والدواء والعيش بحرية وكرامة في مجتمعهم.
وذلك عن طريق إقحام موضوعهم في كل مكان ممكن أن يحميهم من الإساءة والإيذاء وتغيير نظرة المجتمع السلبية نحوهم من منطلق أن قضيتهم تهم المجتمع برمته أفرادًا ومؤسسات، ومن هذه الأفكار اللاحقة التي تفكر بتطبيقها (تعليم مهن يدوية للإناث يكسبن من خلالها الإحساس العالي بالذات مع تأمين مردود مالي لهن يقوي إرادتهن، مساعدة الأهالي عبر فاعلي الخير لتأمين الغذاء والدواء لأطفالهم لتعزيز ثقتهم بنفسهم ومن حولهم، تأسيس بنية مجتمعية تتقبل الأشخاص القابلين للزواج ودمجهم بمجتمعهم المحيط).
رأت “جبرة” أن القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للمعاقين الذي أصدرته الجمعية العمومية عام 1996م وميثاق العمل في مجال رعاية المعاقين الذي أصدرته المنظمة العالمية للتأهيل لا يمكن تحقيقه بمجتمعاتنا خاصة في المناطق المحررة من نظام الأسد في سوريا على خلفية مرورها بظروف أمنية واقتصادية صعبة.
وهذا ما جعلها حزينة ذات شعور سيئ عند مغادرة بعض الأطفال لمركزها أو عدم القدوم إليه إما بسبب ظروفهن المادية وإما لأن بعض الأهالي يعتبرون أطفالهم المعوقين هم عار عليهم لا يجب إخراجهم من المنزل يقابلهم جزء آخر من الأهالي يرى أن أطفالهم أصحاء طبيعيين لا يحتاجون لعلاج.
ختمت “جبرة” حديثها بتحليل إيجابي لمعنى كلمة (معاق) متمنية أن يفهمها الجميع على هذا النحو فقط فحرف الــ م يعني: مواطن، الــ ع: عادي، الــ ا: امتحنه، الــ ق: قدر الله، ليتشكل لدينا جملة ذات هدف ومعنى (مواطن عادي امتحنه قدر الله) له من الحقوق ما لغيره من البشر.