كثير من القصص حصلت مع الصغير قبل الكبير خلال ست سنوات من الثورة، فهناك من قُصف منزله وخسر عمله وفقد أمواله، لكن الأكبر من ذلك هو من خسر أبناءه، وعلى سبيل المثال قصة الحاج “سليمان الضحيك أبو سليم ” وهو والد لسبعة شهداء استشهدوا على مذبح الحرية في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي.
يروي صالح الضحيك وهو أحد أقرباء الحاج سليمان الضحيك قصة استشهاد أولاد الحاج بقوله: “زفَّ أبو سليم أول أبنائه في 28/5/2011 عند اقتحام مدينة تلبيسة الأول، حيث كان الشهيد أحمد يوثق دخول الدبابات بكمرة موبايله التي وثق فيها لحظات إصابته أيضا ومقتله على الفور بعد إصابته، وذلك لم يثن أبا سليم فقدان ابنه أحمد، وتابع وباقي أبنائه مسيرة الثورة، وشاركوا بجميع النشطات الثورية من خلال المظاهرات والاحتجاجات ضد النظام السوري.”
كان الابن الأصغر للحاج سليمان المدعو محمود يساعد في انشقاق العساكر من الحواجز المنتشرة على أطراف مدينة تلبيسة، وفي يوم 21/9/2011 كان ينسق مع أربعة عساكر لكي يساعدهم في الانشقاق، لكن الجنود خدعوه وقتلوه، ليزف أبو سليم ابنه الثاني في بداية 2012 بدء تشكيل الجيش السوري الحر وانضم جميع أبناء أبي سليم للجيش الحر دفاعاً عن مدينتهم، وفي مواجهة مع أحد الحواجز استشهد زكريا الابن الثالث، وفي 9/6/2012 استشهد عبد الكافي في تحرير حاجز المدرسة الكردية، وبعدها بأيام استشهد الأخ الأكبر لهم المدعو سليم الضحيك في تحرير حاجز مفرق الزعفرانة على الطريق الدولي، بحسب ما أفاد به “صالح الضحيك لحبر”.
ويكمل الضحيك، “بقي لأبي سليم عبد الناصر ومحمد المعروف بأبي حاتم، وكان عمل محمد قائد أكبر الألوية في ريف حمص الشمالي، وكان عبد الناصر معتقلاً وتم الإفراج عنه بصفقة تبادل للأسرى في الشهر الرابع عام 2013 ليعيش قرابة سنة ونصف ويستشهد هو وأخيه بقصف للطيران الحربي في 16/9/2014.”
ويتابع صالح الضحيك، “أبو سليم كان يعلم باستشهاد ابنه الأول، لكن لم يكن على معرفة باستشهاد ولده الثاني، فذهبت حينها إلى بيته وسألني عن ابنه، وعندما قلت له بأنَّ ابنه نال شرف الشهادة وأنا دفنته بيدي قال: (الحمد لله، الله أعطاني إياه وهو أخذ)، لكن أثناء التعزية بأولاده الاثنين كان هو الذي يعزينا ويقول لنا: (لا تحزنوا وأنتم أيضاً رجال، هم ذهبوا وأنا فَرٍحٌ بنيلهم الشهادة، ولو كنت أستطيع لحملت سلاحي وذهبت إلى خطوط الجبهات الأولى)، وكانت ابتسامته لا تفارقه ولم أجد كلمة توصف صبره حينها كنت أبكي لأنَّهم أقربائي، وفي الوقت ذاته هم أصدقائي المقربين، لكنَّه كان يهدئني ويعزيني وكأنهم أولادي، وهو كان هادئاً وصبوراً جداً وكأنَّ شيئاً لم يحدث.”
أبو سليم عمره 78 عاماً، والآن برقبته ما يقارب العشرين طفلاً من أحفاده، أعمارهم تتراوح من الثلاث سنوات إلى الثلاثة عشر عاماً، وهو يقوم برعايتهم وكأنَّه والدهم ويقول لحبر: “أنا استشهد لي سبعة أولاد، لكنَّني الآن أربِّي بدل السبعة عشرين، وأحمد الله دائماً على هذه النعمة، وأنَّه ترك لي أحفادي ليسيروا على خطى آبائهم.”
الجدير بالذكر أنَّ مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي تخضع لحصار جائر من قبل قوات النظام وميليشياته، كما تتعرض لقصف متواصل بالبراميل وقذائف الهاون، ويذهب ضحية ذلك العديد من الشهداء والجرحى منهم الأطفال والنساء والمسنين.