إنّ مصطلح النهضةِ أو التقدم هاجسٌ لمختلف الأمم والشعوب مفهوماً وتطبيقاً ، ولاسيما أمتنا العربية الإسلامية ، التي كان لها موقع الرِّيادة في العالمِ لقدرٍ غير يسير من التاريخ ، وإنّ الحلم بإعادة ذلك الماضي ليس إلا حقيقةً تحتاج إلى العمل والإخلاص والصدق .على أنّنا نرى أن الطريق إلى النهضة يمر بأربع مراحل أساسية :المرحلة الأولى هي مرحلة صناعة القواعد ، وتشمل التربية و التعليم وإعداد الجيل وفق القيم والتقاليد والعقائد ، وربطه بمفهوم الهُوِية والانتماء ، والعمل على إيقاظ وعيه وتربية فكره ، كما تتطلب إعداده بمهارات العصر وبمختلف العلوم الحديثة ، ومساعدته على معرفة مستوى وجوده ووظيفته في هذا العالم .أمَّا المرحلة الثانية فهي المرحلة الأصعب ، إذ تتطلب البذل والتضحية في سبيل ما تحقّق في المرحلة الأولى ، وعلى أبناء هذه المرحلة أن يتحلوا بالصبر والإيمان ، فهم لن ينالوا في الغالب جزاءَ تضحيتهم إلاّ عنتاً وتنكراً … ، ولكنهم أبناء المرحلة الأهم في مشروع النهضة ، لأنهم يمثلون الحلقة التي تصنع الصحوة واليقظة التي تتحقق فيما بعد . والمرحلة الثالثة هي مرحلة تأتي عقب الثانية مباشرةً وكالنتيجة الأولية لها ، فعندما تبلغ التضحية أوجها يولد ما يُعرف بالمواجهة ، وهي مرحلة تحتاج إلى عزيمةٍ وإصرارٍ وثباتٍ واستمراريةٍ مطلقة ، وعلى هذه المرحلة أن تولد بشكل طبيعي ، لا أن يُتسرع بها فتفسد ما بني في المرحلتين الأوليتين .أما المرحلة الرابعة ، فهي مرحلة حصد النصرِ والإعمار ، والتأسيسِ للنهضة الحقيقية .لا شك بأنَّ المراحل السابقة قد تتداخل فيما بينها بشكل أو بآخر ، بل إنَّ المطلوب هو استمرار المراحل السابقة ضمن المرحلة اللاحقة ، ولكنّ المشكلةَ الكارثة في مشروع النهضة ، هي إدخال اللاحق ضمن السابق ، مما يؤدي إلى إفساده .إنّ إدراكنا للمرحلة التي نعيش فيها ومحاولتنا العمل على وظيفتنا من خلالها هو ما يضمن لنا سرعة انجازها ؛ وبذلك نختصر على أمتنا الكثير من الوقت والجهد . المدير العام / أحمد وديع العبسي