بقلم : صادق الأمينإن الحرب التي تدور رحاها في سورية إنما يقوم بها كل من روسية وإيران ضد الشعب السوري، وإن النظام السوري لا حول له ولا قوة في ذلك، فهو يدار من قبل هاتين القوتين كما يدار الروبوت.فروسية تلك الدولة التي كانت عظمى في زمن الاتحاد السوفيتي، التي بخسارتها في الحرب الباردة فقدت ثلث مساحتها ومواردها، وهي الآن تبحث عن مكان لها كوريث للاتحاد السوفيتي.تقع معظم الموانئ الروسية على المحيط المتجمد الشمالي، فهي غير فعالة بالشكل المتوقع منها، لذلك فإن روسية منذ زمن القياصرة تبحث عن موطئ قدم لها على المياه الدافئة شرق المتوسط وذلك للانطلاق منها إلى إفريقية وجنوب أوروبة، لكن الدولة العثمانية آنذاك كانت تحول دون ذلك، وبعد زوال هذه الأخيرة واحتلال الشرق الأوسط من قبل الغرب الاستعماري وبعد نيل دول الشرق الأوسط الاستقلال الصوري عادت محاولات الروس للوصول إلى المياه الدافئة، وفعلا نجحوا نوعًا ما في ذلك حيث كان لهم نفوذ في الجزائر(هواري بو مدين) وليبيا (القذافي) وسورية (البعث) ولم يلبث هذا النفوذ أن بدأ بالانحسار بدءًا من الجزائر بعد موت بو مدين، وكذلك ليبيا بعد سقوط القذافي، وبقيت سورية الموطئ الوحيد لروسية على المياه الدافئة شرق المتوسط والذي كان بإمكان روسية أن تستجديها من الغرب وتمد نفوذها إليها، إذ إن روسية دولة خاسرة في الحرب الباردة وكذلك في أفغانستان ولذلك فلا يسمح الغرب لها أن تمتد أكثر من ذلك. ومن هنا جاءت أهمية سورية، ومن خلالها تريد روسيا أن تقفز إلى إفريقية وجنوب أوروبة كما ذكرنا، ولكن ما أهمية البحر المتوسط ؟إن المتوسط يقع بين ثلاث قارات، على ضفافه الشمالية (تركية، اليونان، إيطالية، فرنسة، إسبانية) ويقع على ضفافه الشرقية العرضية (تركية، سورية، لبنان، فلسطين)، أما ضفافه الجنوبية فـ (مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب)، ففي شرق المتوسط تركية المحسوبة على الغرب، وهي عضو في حلف الأطلسي، ولبنان المحسوب على الاتحاد الأوروبي وفلسطين ( إسرائيل ) الآمرة للشرق المأمورة من الغرب، أما سورية فهي الدولة الوحيدة الضعيفة واليتيمة على ضفاف شرق المتوسط لذلك فإن الغرب سمح لروسية بمد نفوذها باعتبارها من فتات الموائد، وروسية لا تملك من النفوذ سوى هذه البقعة أخذت الأمر بشكل جدي ووضعت فيه كل ثقلها مستغلة أن الغرب لا يهمه أمر سورية كثيرا نظرا لأن مصالحه مؤمنة من غير طريق سورية، فمصالحه عن طريق تركية ولبنان وإسرائيل ومصر والأردن والسعودية لذلك فقد وقفت دول الغرب موقف اللامبالي من الأزمة السورية وموقف المتردد الجبان المنافق المتفرجوتأتي أهمية سورية بالنسبة إلى روسيا من:1- وجدت روسيا في سورية ضالتها ، فعلى حساب دماء الشعب السوري تحاول أن تستعيد مكانتها كدولة عظمى، فقد أصبح عندها قضية تستثمرها وتعمل من خلالها لإثبات جدارتها ومكانتها التي تليق بها.2- لا تعتبر روسية سورية منطقة نفوذ لها للانطلاق إلى إفريقية وجنوب أوروبة فقط، بل وباعتبار أن روسية دولة اتحادية فإنها تعتبر سورية جمهورية روسية خارج الحدود، تعامل دمشق كما تعامل غروزني أو كازان .3- إن المستوى العلمي والتقني في روسية متدن وليس بالمستوى المماثل لدول أمريكا وأوروبة واليابان لذلك فلا تستطيع المنافسة في هذا المجال مع دول التقدم العلمي والتقني، فمن حيث العلوم الالكترونية والحاسوبية والكهربائية والميكانيكية فإنها تقع في مؤخرة الدول الصناعية كاليابان وألمانية، لذلك فقد عوضت باهتمامها بالصناعات الحربية العسكرية ذات السوق الرائجة والمريحة، منافسة بذلك أمريكا خاصة في عالم مليء بالتناقضات وزمان يتم فيه الاحتكام إلى السلاح قبل العقل.4- نتيجة لتكدس الأسلحة المصنعة تبرز الحاجة إلى إيجاد أسواق للسلاح، وسورية هي إحدى الزبائن المخلصين القابعين تحت سيطرة النظام البعثي المرتبط بالروس ارتباطًا عضويا، ونتيجة وقوعه تحت وطأة الديون العسكرية، وكلما كانت الديون الروسية أكبر كان الخضوع السوري أكبر، وأكبر شاهد على ذلك أنه في التسعينات لم يبق مصنع أو ورشة تصنع الألبسة في سورية إلا وكان إنتاجها يذهب إلى روسية والنظام الروسي يدفع القيمة.5- إن روسية هي وريثة الاتحاد السوفييتي الجغرافية والسكانية، ولما كان الاتحاد ذا إيديولوجية شيوعية مبنية على الإلحاد الديني والاشتراكية الشيوعية العلمية فإن روسية ما زالت متأثرة بهذا النهج مع تغيير في النهج الاقتصادي حيث أصبحت تعتبر دولة إمبريالية رأسمالية بعد أن كانت إمبريالية اشتراكية.6- أدى ذلك إلى ضعف القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية شأنها في ذلك شأن العالم الغربي فكلمة حرام عند الشعوب تعني الابتعاد والامتناع عما منعته الديانات، وكلمة عيب تعني التقيد بالأعراف الاجتماعية والأخلاقية والامتناع عما يخالف المجتمع، وكلمة رحمة إنسانية فتعني الرأفة والرحمة وهذا ما يفتقده الغرب والروس خصوصا معبرين عن ذلك بقولهم: (المصلحة ولا شيء غير ذلك).يتبع