لا بدَّ عند استكمال رصد مختلف المواقف الدولية من الوقوف مطولاً عند الموقف الروسي، فروسيا كانت واضحة منذ البدايات في لغة المصلحة المعلنة، ولم تحاول أبداً بتقديري أن تكون مواربة، فهي تعتبر سورية إحدى أهم قواعدها في المنطقة.
عرضت روسيا على الثوار منذ البدايات إسقاط الأسد والوصول إلى حلٍّ لتقطع أيدي جميع الدول الممتدة، شريطة الحفاظ على مصالحها كاملة والاعتراف بحقوقها وحقوق الحليف الإيراني في سورية، والاعتراف بجميع الاتفاقيات القديمة والجديدة المبرمة بين روسيا وسورية بعد الثورة.
قُوبل من تعاطى مع هذا الطرح بالاتهام بالخيانة العظمى، ولم يستطع الثوار أبداً تفهم طبيعة الموقف الإقليمي، وكانت وعود الولايات المتحدة التي يروج لها الداعمون وفي مقدمتهم السعودية تفعل فعلها في السعي للتخلص من أي هيمنة، مع عدم الفهم للسذاجة التي كانت ترضى بهيمنة أمريكية، وترفض الهيمنة الروسية فقط لأنَّها كانت داعمة للنظام، رغم أنَّ الخسائر هي نفسها، مع تعالي الخطاب الديني الراديكالي وتصويره للمعركة بأنَّها الحسم بين الحق والباطل، وأنَّ الثوار المؤمنون سينتصرون على الجميع لتكون لهم الدولة الموعودة.
انتقلت روسيا إثر ذلك إلى دعم هستيري للنظام غايته إجبار الثوار على أي حلٍّ ممكن يحفظ جميع مصالحها كراعٍ أوحد لأي دولة سورية قادمة، مقابل وقف الدماء فقط، وهو ما بدأت تنتقل إليه الآن مع تركيا دون الخوض كثيراً في التفاصيل.
أمّا عن الميلشيات الانفصالية، فقد وجدت في هذه الفوضى فرصة لتحقق ما تحلم به من استقلال ذاتي على الأقل، فتميز خطابها بالتصالح مع الجميع، وعدم خلق أي عدائية والوقوف على الحياد مقابل أن تحفظ مصالحها، فلم تحارب النظام ولا الثوار، واحترمت التحالف مع كليهما، وكذلك تحالفت مع الطرفيين الدوليين روسيا وأمريكا، ضمن مصالح مشتركة لكل منهما، ولم يتغير هذا الموقف إلا في مرات قليلة كانت وما زالت تحدث عندما تتضارب المصالح مع الثوار أو النظام، وغالباً ما يتم حلُّ الإشكالات بعد حسم المصلحة، إلا أنَّه في الفترة الأخيرة بعد 2016، أصبحت العلاقة مع الثوار عدائية نوعاً ما، لكنَّها ذات صبغة باردة، غير محتدمة دائماً إلا في القنوات الإشكالية جداً.
المدير العام | أحمد وديع العبسي