هذا البلد الذي أنهكته الحرب، وفتكت به الجراح ما فتئ يحاول البقاء صامداً وواقفاً على قدميه، فالناس حصل لها ما حصل من عذابٍ وتعبٍ وإنهاكٍ على المستوى الجسدي والنفسي خاصة في ظل ما يحدث من تقدم لقوات النظام في ريفي إدلب وحماه، وبما أن الحالات تختلف والطبقات تتمايز والاهتمامات تتنوع ، كان لا بدَّ من تسليط الضوء على ما ناله الطلاب من تبعات التطورات الأخيرة والمُجريات الحاصلة.
إنَّ معاناة الطلاب القاطنين في المناطق التي تدور المعارك فيها، وتؤدي إلى تقدم النظام بشكل سريع هي الأشد من غيرها لا سيما معاناة طلاب ريف إدلب الجنوبي. ولكي نصل إلى التعبير الأدق عمَّا يعانيه الطلاب من تنبؤاتٍ وحالات نفسية، التقت صحيفة حبر الطالب في كلية العلوم الإدارية – جامعة إدلب، (عمار الدغيم) أحد سكان مناطق ريف إدلب الجنوبي، الذي حدَّثنا عمَّا يحدث مع الطلبة هناك من تخبط في نفسياتهم، يقول: “الناس لا تعلم إلى أين سترحل، السكان يخرجون بأعداد كبيرة متخبطين لا يعرفون وجهتهم، فكيف نستطيع الدراسة نحن الطلاب في هذا الوسط الجهنمي المشتعل، الجامعة غابت عن ذهننا، و التحضير للامتحان ليس من ضمن أولوياتنا، وبغض النظر عن الحالة النفسية فإنَّ هناك من الطلاب من فقد أخاه أو أباه أو أفراداً من عائلاته، فكيف يستطيع الطلاب تجهيز أنفسهم لتقديم الامتحان؟!” يختم عمار حديثه بحرقة ويقول العبارة المتكررة بشدة في الوقت الراهن: “الله يفرجها أحسن الشي”.
وما يزيد الأمر سوءاً هو اضطرار الجامعات لتأجيل الامتحانات بشكل متكرر، ليعود إلى ذاكرة الطلاب ما حدث في السنة الماضية من تخبطٍ في سير العملية الامتحانية، ما قلل حينها من حماس الطلاب، ودفع بعضهم لعدم الذهاب إلى الامتحان.
وللوقوف على ذلك التقينا الطالب في جامعة إدلب (عبد الله الخالد) الذي حكى لنا بحزن عمَّا يعانيه طلاب جامعة إدلب على وجه الخصوص من تأجيل الامتحانات، يقول: “وصل بنا الحال إلى حدِّ الإحباط، فقرار الجامعة الأخير يقول: إننا سنبدأ الامتحان في 20 كانون الثاني من الشهر الجاري، و هو التاريخ نفسه الذي كان من المفترض أن ننتهي فيه من الامتحان ، أنا عن نفسي سأتضرر بشدة من هذا التأجيل المتكرر الذي يجعلني أهمل الامتحان بشكل حقيقي، علماً أنه من الممكن تأجيل الامتحان مرات أخرى، ما سيولد بدوره شعوراً لدي أننا لن نقوم بهذا الامتحان مطلقاً، وشعوري هذا موجود لدى الكثيرين من الطلاب.!”
من جانب آخر حاولنا التواصل مع أحد كوادر جامعة إدلب لنستفسر منه عن عملية تأجيل الامتحانات بشكل مفصل، فاستطعنا الحصول على رقم الدكتور (حسام خديجة) عميد كلية العلوم الإدارية سابقاً و نائب عميد الكلية حالياً، الذي أجابنا عبر مكالمة هاتفية بقوله: ” اضطرت الجامعة مؤخراً لإصدار قرار يقضي بتأجيل الامتحانات، شخصياً لست مع فكرة التأجيل؛ لأن ذلك سينعكس على الحالة النفسية للطلاب المستعدين و المتهيئين لها، نحن خضنا تجارب مماثلة في السنوات الماضية، حيث اضطررنا للقيام بعدة عمليات تأجيل لأسباب مشابهة، ولاحظتُ حينها النتائج السلبية التي حصلت للطلاب جرَّاء التأجيل خاصة طلاب السكن الجامعي المقيمين في مناطق قريبة من الجامعة والبعيدين عن ذويهم.
في المقابل رئاسة الجامعة أجَّلت الامتحانات آخذةً بالحسبان حال طلاب ريف إدلب الجنوبي الذين ينزحون نتيجة المعارك الدائرة هناك، ومع هذا لستُ مع قرار التأجيل المستمر، لأنني أخشى أن تسوء الحالة أكثر ممَّا هي عليه الآن، وعند ذاك من الممكن أن تحصل نتائج كارثية أكثر.”
من منظور آخر ثمَّة طلاب يحاولون استغلال قرارات التأجيل، ليتداركوا ما فاتهم من دراسة للمواد المقررة التي كانوا متأخرين في دراستها سابقاً، وهناك من ينتظر اعترافات دولية للجامعة التي يدرس فيها.
وأخيرا: مصائب قوم عند قوم فضائل.