لا يكاد السوريون يتفقون على قضية ما منذ سبع سنوات، بل إنّ الذين يعرفون المجتمع السوري من قبل، يعلمون أنّ السوريين لم يكونوا متفقين على أي شيء تقريباً حتى قبل انطلاق الثورة السورية، لكن ربّما أصبحت آراؤهم المتباينة أكثر ظهوراً بعد الثورة، خاصةً أنّ فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت في متناول معظمهم.
الانقسام الأشد كان على الثورة بدايةً، وكعادة من يرفعون أصواتهم يصبح الانقسام والتعبير عن الرأي سجية عندهم، ففي الجزء المعارض تبدو تباينات الآراء أشد حدّة وأكثر عمقاً منها عن اختلافات الرأي التي وضعت لنفسها سقفاً معيناً في الجزء الذي ما زال يخضع لسيطرة النظام.
لم تسعفنا قضية واحدة برأي موحد يجمع شمل السوريين على كثرة انقساماتهم، فالحرية التي طالب بها السوريون تم تعريفها مرات عديدة اقتربت من تعدادهم، والموقف من الفصائل الإسلامية فيما بعد، والقضايا الوطنية، ثم شكل محاربة النظام الذي صار يفرز تباينات هائلة في الرأي لن تتوقف عند غصن الزيتون أو سوتشي أو الموقف من الحليف التركي أوشكل الحل وطبيعة الدولة القادمة.
هذا الانقسام الذي يتميز به الشعب السوري هو انقسام ناتج عن حركية هائلة في طبيعة هذا الشعب، عن خلفية معرفية كبيرة، وخلفية تاريخية ضاربة في عمق التكوّنات المتعددة لهذه البقعة الجغرافية.
الشعب السوري شعب صقلته التجارب جيداً، فصار من الصعب أن يصل إلى قناعات راسخة قبل أن يعرف كل شيء تقريبا، وقبل أن يخوض بنفسه غمار التجربة.
ربما ليس شعباً ذكياً بما يكفي لكي يتعلم من تجارب الآخرين، لكنه شجاع ومجازف بما يكفي ليخوض كل تلك التجارب حتى يصل إلى قناعاته المستقبلية.
لا أعتقد أن الخلافات التي نراها اليوم هي حالة سلبية، بل أكاد أجزم أنها حالة إيجابية في عمق البوصلة الصحيحة لصناعة وطن يحترم جميع تباينات أبنائه، وقادر على تصدير الخلافات كوجهات نظر وليس كمعارك محتدمة.
ما نحتاجه في هذه المرحلة على الأقل هو بناء هذه الثقافة التي تشجع على تباين الآراء والمواقف وتتقبل هذا التباين مهما كان حاداً، وتحتفظ به بعيداً عن الإقصاء أو المواجهة.
حرية الرأي والاختلاف، وتبني وجهات النظر لا تلغي أننا أبناء وطن واحد، (هذا ما يجب أن نحافظ عليه ونضبط سقف الخلافات او الاختلافات بعيداً عن التخوين والاتهامات المجحفة)، فالاتهام دون أدلّة جريمة، والفكر الإقصائي كارثة تهدم الأوطان ولا تبنيها.
إنّ وطناً بهذه التباينات والاختلافات والحركيّة هو مدعاة للفخر وليس مدعاة للشكوى، فالجمود والرأي الواحد وسهولة التوافق هو فقط ما يعيد إنتاج العبودية، وهي صفة غير لائقة بالشعوب الحرّة ولا بأوطان الحرية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي