مقدمة
انضممت إلى فريق القناة خمسة أشهر، بصفتي “مراقب الجودة” ثم انقطع رزقها وتوقفت، ولم أقبض أغلب مستحقاتي منها، وما زالت علاقتي مع بعض زملائي ومع المدير جيدة، ولست نادماً على عملي فيها.
رأيي بالقناة عموماً
القناة سورية مسلمة، تقدم نشرة لأخبار الثورة السورية، ونشرة لأخبار العالم الإسلامي…، تجمع بين طابع الخليج وطابع بلاد الشام، وبين الدعوي والثوري، والقناة جيدة من حيث المضمون، رغم برودة إيقاعها وندرة البسمة وقلة الجاذبية في كثير من محتواها! وإن لم تنجح في إرسال رسالتها، فقد نجحت بلا شك في تدريب أعداداً من الإعلاميين الجدد، وبرأيي لا يوجد قناة داعمة للثورة السورية فيها لمسة أناقة مثل قناة دار الإيمان، أما من الناحية الإخبارية فليست الأقوى، ومما يكتب لها في الأسبقية “نشرة العالم الإسلامي” التي تهتم بأخبار المسلمين في كافة أنحاء العالم
من الناحية الإدارية
لم أجد خلال عملي من الإدارة إلا خيراً، وما وجدت فوضى إدارية من النوع الذي نسمعه عن المؤسسات الثورية أو القنوات اليدوية الأخرى، وما سمعت من زملائي خلال ذلك شكاوى تخص أمانة الإدارة أو أكلها حقوقهم أو الإساءة لهم أو الكذب عليهم قبل الأزمة المالية، أما شكاوى الموظفين العاديين فهي في الحد الطبيعي المألوف في كل المؤسسات، وأما شكاوى الإداريين التي سمعتها فخلاصتها: “تدخّل المدير في جزئيات صغيرة جداً ليست من اختصاصه، وتشبثه برأيه كثيراً، وتقلّب سياسته”. طبعاً خلال تجربتي في أكثر من مؤسسة إعلامية وجدت ذلك بلاءً عاماً لدى المدراء، لذلك خلصت إلى نتيجة “أن من مهام الموظفين والإدارة الدنيا التأثير في الإدارة العليا”.
وأنا شخصياً نصحت المدير العام للقناة عدة أشياء ففعل، ومن ذلك: نصحته أن يلغي ذكر اسمه في نهاية الأعمال فألغاه!
ومما يميز إدارتها السخاء على الموظفين في الرواتب، فلا أعلم قناة من مستواها تعطي الموظفين مثلها
ملامح الأزمة
مع بداية 2016 وأحداث سقوط حلب، وارتفاع رصيد النظام، واستلام ترامب السلطة في أمريكا، صار التضييق على كل المؤسسات الإعلامية والخيرية العاملة في الشأن السوري فجّاً فاقعاً، ولما تسلم “محمد بن سلمان” ولاية العهد في السعودية صار دعم المؤسسات الثورية أو الخيرية في سورية “عملاً مشبوهاً”، والمعلوم أن القناة تستمد دعمها من أناس في السعودية، فبدأ يتقطع الدعم حتى انقطع كله، وصمدت القناة وصبر الموظفون على العمل بلا راتب حتى أفلست القناة وتوقف بثها.
المواجهة
هنا علت أصوات الموظفين وبدأت المواجهة بينهم وبين المدير بصفته المسؤول عن بقائهم مدة بلا راتب على أمل ووعد باستئناف الدعم؛ وفي تلك الأثناء صرت أسمع من بعض الموظفين اتهامات لمديرها بالكذب والاحتيال والسرقات، وأن البعض لديه ملفات فساد ضخمة يخفيها، وسوف تُنشر قريباً…، ولا أدري إن كان هناك فعلاً ملفات تثبت إدانة المدير أو لا – طبعاً إن كانت الملفات حقائق فإن كشفها عبادة – وإن كانت اتهامات وانتقامات فالقضية هينة، لكن خطر ببالي مراراً: أين كانت تلك الملفات مخبئة لدى فلان وفلان خلال عملهم الطويل مع المدير؟ وما سرّ كشفهم لها بعد انقطاع الرزق أو توقف القناة؟!
قرأت بيان مجموعة من الموظفين والإداريين (أكثر من ثلث فريق القناة) نشروه على صفحتها الإخبارية! واستخدموا شعار القناة والتصميم الذي تستخدمه في البيان، وكان البيان مُرَكزاً على شخص المدير، ويحتوي قائمة طويلة من المثالب والتهم الموجهة له، من كذب وخيانة وتبذير وتلميحات أخرى…، وكان البيان مخاطباً الشعب السوري والهيئات السورية الحرة… وأقسى ما في البيان أنه حذر الداعمين المحتملين من أي دعم جديد يستطيع من خلاله المدير فتح قناة أو إعادة تشغيل القناة!
وأنا أدعو المهتمين بالموضوع أن يقرؤوا البيان بعقلانية وتمعّن، ويتأملّوا القصة جيداً من حيث الشكل والمضمون وطريقة النشر، وربما أغناهم البيان عن غيره.
الخطيئة الكبرى للقناة
خلال مراقبتي لجودة أعمال القناة (المحتوى السمعي والبصري والفكري) تبين لي خلل جوهري فيها، خلاصته أن القناة تحتضن قسماً مهماً من الموظفين لا يؤمنون برسالتها أصلاً، أو بينها وبينهم خصومة فكرية، وسياسية! وهذا كاف لحدوث نفور وشك وسوء ظن…، إضافة إلى تناقض في المحتوى أحياناً، تناقض بين برنامج وبرنامج أو بين نشرة وبرنامج، أو بين الشريط والنشرة… علماً أن القنوات الكبرى عادةً تبحث عن خلفية الموظف وتختبر توجهه قبل تشغيله، لكيلا تقع في هذا الخطأ.
سياسة المدير في إدارة الأزمة
يتعامل المدير حتى اليوم على يقين أو ثقة بعودة القناة وتدبير دعم جديد، ومعظم سلوكه ووعوده من هذا المنطلق، وقد كلّفته هذه الثقة واليقين خسارةَ ثقة أكثر الموظفين، وكان مُخيّراً بين مشقتين:
- أن يعلن العجز فور توقف الدعم، ليكسب تعاطف أغلب الموظفين ويخلي مسؤوليته، وهذا يؤدي إلى هروب شطر الموظفين وربما سقوط هيبة القناة.
- أن يعلن “الثقة بالله” والقدرة على النهوض وأنها أزمة مؤقتة سوف تزول قطعاً.
اختار المدير المشقة الثانية، وحثَّ الموظفين على الصبر وعدم الالتزام بعمل آخر، خشية انفراط عقد القناة، وضياع جهود سنين، وأصرّ على عدم بيع معدّات القناة، وإبقاء المقر الأساسي لئلا يخسر الديكور والأستوديوهات وسائر البنية التحتية، طبعاً كلفه ذلك مبلغاً، وهجوماً من أصحاب الحقوق، لأن الناس أهم من المعدات، لكن يبدو أنه يرى أن البنية التحتية لازمة لإقناع الداعمين بأن القناة موجودة ولا تحتاج إلى تأسيس، فقط وقود…، وهذا ما أدركه أصحاب البيان فسدّدوا رميهم في الصميم لسحب العصب وموت الضرس.
وكنت نصحت المدير قبل شهر أن يكفّ عن إعطاء الموظفين وعوداً بناءً على وعود داعمين، فقد كثرت الوعود دون تحقق، وذلك مصدر غضبهم، فقال: هذا مستحيل لأن الضغوط والإساءات تتوالى عليه بكثرة وتطالبه بالدفع!
(أرفقت جانباً من محادثاتي معه في صورتين).
رأيي في المدير
منذ أول لقاء معه فهمت شخصيته، وحسب رأيي لا يتصدّى لفتح قناة خيرية أو ثورية في أيامنا إلا شخص يجمع بين هذه الصفات:
- الهمة العالية والجَلَد
- الطموح المغامر والنزعة إلى المجد
- الثقة العالية بالنفس وعدم الاكتراث بكلام الناس
- الدهاء وإتقان المناورة
بيد أن الأهم من ذلك وجود الإحساس بالقضية، والهدف النبيل، والرسالة النقية، لكن هل يحمل المدير تلك الرسالة والهدف والقضية؟ العلم عند الله…
إن الذي يجعلني لا أسيء الظن في المدير “صفاء توجه القناة” فالقناة وسطية، لا تحمل في رسالتها ضغينة ضد أي تيار مسلم، وتلتزم بالخط الإسلامي والسياسي النظيف، تدعم ثورات الربيع العربي وخصوصاً الثورة السورية، ومن سياستها ألا تهاجم الأنظمة إلا التي فحش ظلمها كالنظام السوري والإيراني والروسي، أما هل نجحَتْ في إيصال رسالتها؟ فتلك مسألة أخرى…
رأيي في أصحاب البيان
باختصار: من خلال معرفتي بقسم منهم اقتنعت أنهم صادقون في مشاعرهم، وهم مؤمنون بمحتوى البيان، وليسوا مجرد منتقمين أو متحاملين (أقصد القسم الذي أعرفه منهم).
اشعرْ شعورهم
إذا أردت أن تشعر شعور الموظفين فتصور العمل بلا راتب، والجلوس شهوراً بلا عمل في بلد معروف بغلاء المعيشة، ولا تزال تعيش على الوعد ولم تستوف إلا قسماً يسيراً من حقك!
وإذا أردت أن تشعر شعور المدير فتصور إفلاس مؤسستك، وبرقبتك 80 موظفاً يطالبونك، وعدة جهات تهددك بمستحقاتها، وفواتير رسمية تتراكم عليك، ودعاوى، وعشرات رسائل المطالبة والتوبيخ والتهديد والسب تصلك يومياً، وتبحث هنا وهناك عن دعم جديد فلا ترى أكثر من الوعود والمخاوف، فإذا وصلك مبلغ محدود تجتهد فتعطي المؤلفة قلوبهم فتخسر قلوب الآخرين، وتعطي الضعاف فيغضب الآخرون، وتعطي الشرسين وأصحاب الصوت العالي فتعلو أصوات الآخرين!
رسالة إلى بعض الزملاء
أقول لبعض زملائي فيها، من الكارهين لها ولتوجهها: احمدوا الله أن نجاكم وخلصكم منها! وأقول للقناة احمدي الله أن خلصك من خصومك المبغضين لك!
رأيي في أزمة القناة
أكثر ما يقلّب قلوب الناس “الرزق” وانقطاعه كانقطاع النفس، والمضطر أو صاحب الحاجة أرعن، سواء كان مديراً أو موظفاً، مْنَع الدعم أيام محمد بن سلمان، وانقطع الرزق في بلد الغربة، ووقع الموظفون والمدير في كرب وضيق شديدين، وطال الأمر ونفد الصبر، وفقد كل منهما بعض صوابه، ولم يعد يرى الموظفون خصماً سوى المدير، ولم يعد المدير قادراً أن يدير.
غداً إن تيسر الدعم من جديد ووُفِّيَ كلّ موظف حقه، وعادت المياه إلى مجاريها سيعلم كل واحد أأخطأ أم أصاب؟
كتبه طالب سواس
4-2-2018