بقلم : رئيس التحرير” إنَّ الإنسان مجبرٌ على أفعاله ” عبارةٌ سحرية قصيرة يمسكها الطغاة بأيديهم وكأنها عصا موسوية، فهي تستطيع أن تحول الإنسانَ إلى رقمٍ من الأرقام، وشعورَه إلى حجرٍ من الحجارة، عبارةٌ ما زالوا يرددونها على أسماع الناس يُلبسونها ثوب الدين مرة وثوب المنطق مرة حتى استقرت نظرية العبد المأمور في أذهان من كانوا سادة الأمم.يقوم مذهب الجبرية الجديد الذي يتمسك به أتباع الأنظمة المستبدة المتحكمة ومؤيدوها على نفي الفعل عن الناس، وقتل إرادتهم ومحو تفكيرهم وإلغاء مسؤوليتهم في الحياة مستدلين على ذلك بأن الله كتب عليهم أن يكونوا ضعفاء لا حول لهم ولا قوة .وقد نزل منظرو حزب الجبرية إلى الشوارع وظهروا على وسائل الإعلام فانتشرت كتاباتهم على الحيطان وتنظيراتهم على الألسن، وأقنعوا الضعفاء بضرورة الرضا بالواقع وأنه ليس بالإمكان أفضل مما صنعه السلطان، وأن الثورة على الظلم والقهر اعتراض على قدر الله والعياذ بالله، ومنذا يقف في وجه القدر؟ّ!فكان لمشايخ الموالد والموالد أصحاب العمائم المكورة والسبح المطولة واللحى المركبة الواقفين على أعتاب المتسلطين دورٌ كبير في تجذر هذه الفكرة في النفوس، فزوروا الحقائق وزينوا جبريتهم بكلام منمق لا يسمن ومقولات فلسفية لا تغني من جوع، وهمهم الأول أن يستكين المجتمع للحاكم الجائر الظالم الذي يفكر عنهم ويتخذ القرار عنهم ويجمع الأموال عنهم، ويدوس عليهم رضا منهم، وأن يتخلى المجتمع عن مسؤوليته ويخرج من دائرة الفاعل ليدخل في دائرة المفعول به والمفعول عليه .نعم ، لبست الجبرية لبوس المشايخ والرهبان، وأصبحت دينًا له أنصاره وأتباعه، له في كل دولة عربية مدع للنبوة يحكم بشريعة الجبرية ويقضي بها، وأصبح لها كليات ومعاهد شرعية تنقل طلابها من حياة العطاء إلى موت الجمود والبرودة، من عالم الإحساس إلى عالم موت الشعور .وإننا نرى اليوم مذهب الجبرية السياسية منتشرًا بشكل واضح في البلاد العربية ، فالعامة تردد عبارات العبد المأمور واليد القصيرة والعين التي يفقؤها المخرز، فالموت الذي يريده الأسد والسيسي وخامنئي وأصدقاؤهم، والخراب الذي تريده أمريكة وفرنسة وبريطانية وحلفاؤها قدر على الشعب كما أن اللون الأسود قدر الغراب لا يستطيع أن يفر منه.إلا أننا نرى أيضًا أمام بدعة الجبرية مقدماتٍ وبشائرَ مرحلة جديدة، يثور فيه الإنسان على المتحكمين به ويعود إلى فطرته التي خلقه الله، فيؤمن أنه قادر على التغيير، قادر على الفعل وتحمل المسؤولية، قادر على مجابهة ظالميه، فالأمة اليوم بعد أن شهدت أبناءها يثورون على الطغاة تعيش مرحلة حاسمة تنفض عنها غبار الأفكار المتخلفة، وتستفيق من عملية التخدير التي شارك بها السذج المدافعين عن الموت والقبور الكارهين للعطاء والحياة. وتتساعد مع أبنائها الحقيقيين على أن تمسح من قاموسها نظرية العبد المأمور والنعجة التي لا تعرف في حياتها غير قدر العصا وقدر حد السكين .