في المقال السابق نَسلْنا معاً إلى عالم آخر مختلف عن واقعنا الأليم هذا، فاللون الأحمر هناك لا يذكِّرنا بدماء أصدقائنا أو أهلنا البريئة، لا يذكّرنا بالموت بل بالحياة، فهو يعبّر عن الحبّ الذي وحدَه من يستطيع جمع هذه الإنسانيَّة الموجوعة.
في ذلك العالم الجميل أخذنا نتكلَّم عن الحبّ وضرورته، وعن معناه ووقت مجيئه. وكيف لا يستحقُّ الحبُّ منّا هذا الاهتمام وهو أوكسجين أرواحنا؟!
فهيَّا بنا نكمل ما كنَّا قد توقَّفنا عنده في المقال السابق.
خامساً: كيف سيحصل التفريق ما بين الحبّ الواعي ومجرَّد الإعجاب الفارغ؟
الحبُّ هو مسؤوليَّة قبل أن يكون عواطف، يشتمل على حقوق وواجبات. وهو ضيف على القلب، يترك فيه أحزمته وأمتعته ثمَّ يرحل إلى مدينة العقل، كي يعمل هناك ويبنيَ حياته.
الشابُّ حينما يحبُّ فهو يعرف الواجبات التي عليه، يعرف أنَّ الحفاظ على سمعة ومكانة تلك الفتاة التي أحبَّها صارت واجبة عليه، لذا هو سيحفظ سرَّه عن الناس حتَّى لا يُتكلَّم في أمرها.
هو يعرف أنَّ الحالة المعيشيَّة المناسبة هو طعام ذلك الحبّ، وأنَّ مثاليَّات الشعراء لا تصلح هنا. لذا فإن كانت معيشته ميسورة ومناسبة فإنَّه يستطيع أن يبدأ بتربية هذا الحبّ داخلَه، وإلَّا فإنَّ ترجيح رأي العقل على القلب هي أهمُّ شيم الرجال.
هو أيضاً يعرف أنَّه إذا أراد أن يسلمَ نفسه للحبّ فيجب أن يكون على مستوى من الوعي الاجتماعيّ والنفسيّ يخوّله إلى أن يكونَ زوجاً. لذا فإنَّ على الأهل توعية أبنائهم المراهقين، بضرورة التروّي في فتح بيوت حتَّى ولو كانت المقدرة الماليَّة حاضرة لدى الأهل، لأنَّ الفتى إذا لم يدخل سوق المال والعمل ويستقلّ بنفسه مادّياً لسنوات فإنَّه سيكون فتىً جاهلاً خاوياً أمام علم فتح بيتٍ زوجيٍّ؛ حتَّى ولو تحصَّل ذلك الفتى على أعلى الشهادات النظريَّة.
فإذا استحضر الإنسان هذه المعاني في نفسه عندما تُعجبه فتاة محترمة، ورآها حاضرةً فيه، وقتها يستطيع الانتقال إلى الخطوات التالية.
سادساً: ماذا وإن كانت الفتاة لا تحبُّني؟
هذا السؤال هو الأبرز، وفي الحقيقة معرفة جوابه منذ البدايات مهمٌّ جداً، فليس من الحكمة أن يحبَّ المرء فتاة ليست له. وبالتالي، فإنَّ السعيَ إلى معرفة جواب هذا السؤال شيء ضروري.
في تلك الحالة من العاطفة قد يخطئ الإنسان التصرُّف فيحاول التواصل بطريقة مفاجئة أو فظَّة مع الفتاة. لا نستطيع لوم الفتى الذي فعلَ ذلك لأنَّ قلبه وقتها يكون يرقص في حفلة صاخبة جميلة الغباء، ويكون صوت العقل هناك ضعيف. ولكن لمنْ لم يفعل بعد أوصيه بأن لا يفعل.
التواصل الأوَّل بين الفتاة والشابّ يظلُّ محفوراً في ذاكرتهما حتَّى إلى ما بعد الزوج، ويرسم صورة مهمَّة عن كليهما في عقل كليهما. ولذا فيجب على الشابّ أن يحافظ على هيبته ومكانته اللائقة حينَ يريد الإفصاح عن هذا الحبّ. ولن يجدَ طريقةً أفضلَ من إتيان البيت من بابه.
بهذه الطريقة يحفظ الرجل علوَّ عقله أمام أنثاه، وتحفظ الأنثى رفعةَ حيائها أمام زوجها، لكن وهل مجرَّد الخطبة أو حتّى الزواج يصنع حبَّاً واعياً متبادلاً؟
سنتوقَّفُ اليومَ هنا لكيْ لا نطيلَ عليكمْ أعزَّاءنا، وسنكمل كلماتنا المكتوبة بماء الحبّ لكم بإذن الله في المقال القادم.
1 تعليق
Pingback: الحبُّ ومفاهيمُه 3 | صحيفة حبر