لا يمكنني أن اتعامل مع القضايا الإنسانية بحيادية ومهنية، مهما حاولت أن أفعل ذلك، الانحياز للحقيقة هو عمل الإعلام كما يُفترض، ونحن كسوريين لسنا حيادين على الإطلاق، لدينا آلاف الأجندات التي نعمل من أجلها، وآلاف المشاريع، وربما آلاف الانتماءات للأسف، تجمعنا الهوية السورية رغما عنَّا، وتجمعنا تلك العواطف والدموع أيضاً رغما عنَّا، غالبيتنا لا يستطيع أن يخفي تأثراً تجاه أي قضية إنسانية، تُغالبه مشاعره وإنسانيته وسوريته الخالصة من أجل أن يرضي ضميره تجاه هذه القضايا مهما اختلف معه الآخرون، ومهما كانت هذه القضايا تمثل صفّه أو صف أعدائه، في سورية تدفق الدماء على مدى سبع سنوات غيّر فينا الكثير، وجعلنا أكثر نقاء واستعداداً للموت، كأننا بدأنا نحبُّ تلك الأمور التي تحدث خارج إرادتنا.
أكاد أجزم أن أصوات النشاز التي توصي بالذبح والقتل، وتؤيد الجريمة ومختلف أشكالها لا تتجاوز حفنة قليلة من هذا الشعب الذي ملأ الدنيا بسوريته، وليست لائقة بالوقوف عندها وتربية الأحقاد تجاه طائفة أو جماعة أو مجموعة من الناس لا يملكون من أمرهم شيئاً.
ما أعرفه وأجزم به، وأوصي به ايضاً هو أننا نعرف هوية أعدائنا جيداً، الجميع يعرفهم، فلا يجب أن نكون متسامحين يوماً ما مع القتلة، لأن التسامح مع المجرمين سيجعل هذا العالم موبوء بالجريمة كما هو اليوم.
لا أعرف كيف يريد منّا العالم أن نكون أكثر تحضراً، وألا يتحول معظمنا إلى قتلة وهو يشاهدنا كل يوم نقتل ونذبح بالمئات، ويكتفي بالتفرج علينا، ونحن نعلم أنه يستطيع إيقاف هذه المذبحة بسهولة، لا أعرف كيف يمكن للموتى أن يسامحوا، وهم موتى لم يتبقَ منهم سوى أرواحهم التي تطلب الثأر وتسكن الناس لتملأهم بالحقد تجاه القتلة والمشتركين معهم بالفرجة.
لا أعرف أيَّ تغابٍ يحاول تمثيله هذا العالم عندما يكتفي بالفرجة، ويقدم المساعدات لمن هم تحت المقصلة من أجل أن يخفف عنهم مأساة الموت جوعاً، أو لربما يريد أن ينزفوا دماء بشكل جيد، فالجوعى تكاد تجف دماؤهم.
الحقيقة نحن في عالم مليء بالجريمة، يحتفي بها بكل أريحية وتقبّل، فلا ينبغي أن نعول عليه كثيراً .. الطريق طويل، والمهمة ليست مستحيلة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي